يحب الجمال(1)
الحلقة السادسة والخمسون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جمادى الأولى 1443 هــ / ديسمبر 2021
- الكبرياء لله:
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قصة رجل كان يمشي يتبختر، مسبلًا إزاره، تعجبه نفسه في خيلائه، فخسف الله تعالى به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
هذا الحديث العظيم يعبِّر عن روح التواضع، ويحث الإنسان على معرفة قدر نفسه ووضعها في موضعها، ويؤكد على معنى عظيم وهو: أن كل معاني ومظاهر الخيلاء مذمومة. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بُعث عبدًا رسولًا، وجاء لإزالة كل آثار التعاظم الكاذب، والادعاء الموهوم الذي يعطيه الناس لأنفسهم اغترارًا بمال، أو جاه، أو سلطة، أو منصب، أو شهرة، أو لأي اعتبار من الاعتبارات التي قد تخرج الإنسان عن بشريته، مع أن الإنسان يعلم في حقيقته وقرارة نفسه أن بدايته كانت بداية ضعيفة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق: 5-7].
فهذه البداية لا تهيئ الإنسان ولا ترشحه لأن يتعاظم ويفاخر بنفسه؛ لأن العظمة منحة من الله سبحانه وتعالى، وهكذا النهاية التي يصير إليها الإنسان وهي الموت والفناء لا ترشحه للتعاظم والتفاخر، ولهذا تجد أكابر الملوك والسلاطين والأباطرة والعظماء في تلك المواقف التي يقبض فيها ملك الموت أرواحهم ويغتالهم، يصبحون صغارًا جدًّا، ويتمنون غير ما كانوا عليه.
إِنَّ يومَ الْحِسابِ يومٌ عظيـمٌ *** شَابَ فِيهِ الصَّغِيرُ يومًا طويـلًا
لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ مَا قَدْ بَدا فِي *** رُؤوسِ الْجِبالِ أَرْعَى الْوُعُولَا
كلُّ عَيْشٍ وَإنْ تَطَاولَ حـيـنًا *** فَقُصارى أَيَّــامِــهِ أنْ يَــزُولَا
فهكذا كان ينتهي بالأكابر المطاف.
إذًا: الإنسان مهما تمتع بنعم الله سبحانه وتعالى وأرغد بالعيش، ورزق واستفاد وفتح عليه، إلا أن عليه ألا يغفل، وألا تنسيه هذه الأشياء حقيقته التي خلق منها وإليها يعود.
- الكبر في النار:
وهذا يؤكد على معنى عظيم، وهو أن الخيلاء والكبر والتعاظم من أكبر الذنوب وأعظمها التي ينبغي لصاحبها أن يعاقب عليها في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْـرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ».
وقوله: «بَطَرُ الْحَقِّ». أي: رده واستنكاره، وقد يكون ذلك لأن الذي جاء به إنسان آخر غيرك، ولو كان الأمر منك لقبلته، وكأنك ترى أن الحق لا يكون إلا منك، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا عرَّف الكبر بأنه رد الحق وجحده، واحتقار من جاء به.
وقوله: «غَمْطُ النَّاسِ». أي: بخس الناس حقوقهم، وهكذا تجد من الناس من قد يُبتلى بتتبع أخطاء الآخرين وعيوبهم، وقد يجد متعة كبيرة جدًّا في أن يعرض في المجلس مجموعة من الناس فيتم قصفهم بأوصاف ومعايب شكلية أو شخصية، أو بأشياء خُلقية أو خَلقية، أو بمواقف معينة، المهم لن نعدم أن نجد في أي إنسان يستعرضه عيبًا؛ فهذا بخيل، وهذا طويل، وهذا قصير، وهذا سمين، وهذا دميم... إلخ.
وأيضًا: الجوانب الأخلاقية، فقد تجد بعض الناس يقول عن فلان: إنه غير عالم. فإذا كان عالمًا قال: غير مخلص. وما أدراه عن الإخلاص الذي في قلبه؟!
وإذا كان عابدًا قال: ليس المهم كثرة العبادة، لكن المهم صدق النية والعمل. وما أدراه بالنية وما في قلوب الناس؟!
فلماذا لا نعود أنفسنا على أن ننظر إلى الجوانب الإيجابية في الناس، حتى لو كانت قليلة ونثني عليها ونطريها، ونقتبس من الهدي النبوي في هذا الجانب؛ لئلا نتحول إلى متكبرين مصابين بالعجب والخيلاء، وكأننا نريد أن نحتكر الخير ونحتجزه لأنفسنا ونمنعه عن عباد الله الآخرين، فإن رأينا أحدًا وُفِّق إلى دين أو دنيا فإننا نحاول أن نغمزه، أو نستنقص الأمر الذي وُفِّق إليه بشكل أو بآخر من حيث نشعر أو لا نشعر.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي