ولا تفرَّقوا (1)
الحلقة السادسة والستون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
- التفرُّق من الشيطان:
ثبت في «سنن أبي داود» عن أبي ثعلبة الخُشَني رضي الله عنه قال: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلًا تفرقوا في الشِّعاب والأودية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّـمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ». فلم ينزل بعد ذلك منزلًا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بُسط عليهم ثوب لعمهم.
إن هذه التربية وهذا التعليم النبوي يحمل معنى ضخمًا وكبيرًا جدًّا، ولكن هل نستطيع أن نفقه ونفهم هذا المعنى، أم لا زلنا دونه بكثير؟
لقد كان العرب في جاهليتهم من أكثر الأمم تفرقًا واختلافًا وتناحرًا، وكانت حروبهم ضارية جدًّا، حتى جاء الإسلام وكان من أعظم أسسه: الجماعة والوحدة والتقارب بين الناس، فوحد شملهم، وجمع كلمتهم، وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بموضوع الأخوة الإسلامية؛ كيف عقد هذه الأخوة وزكاها؛ بل كيف أجرى عقدًا حقيقيًّا في المدينة المنورة يسمى: المؤآخاة بين المهاجرين (أهل مكة) وبين الأنصار (أهل المدينة).
-أخوة الإسلام:
لقد جعل الله تعالى الأخوة في الدين رابطةً أرسخ من روابط الأرض والدنيا، كما قال سبحانه:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]. وقال سبحانه:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]. فجعل صهيبًا وسلمان وبلالًا وعمارًا وأبا بكر، وقبلهم محمدًا صلى الله عليه وسلم ورجال المسلمين ونساءهم، وبعيدهم وقريبهم، وعربهم وعجمهم، إخوة في الله، ودمجهم في أمة واحدة، وأزال ما بينهم من الفوارق فقال:﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].
وإن هذه الأخوة العظيمة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم ثم عبرت التاريخ وصارت الأمة الإسلامية الفاتحة، أدرجت ضمنها أمم الأكراد- مثلًا- فحمل الأكراد المشعل والراية، وقامت لهم دول، وكان لهم حضور عظيم في التاريخ الإسلامي، ودفاع عن الحرمات والحوزات، ومنهم أبطال أفاضل معروفون، وأيضًا البربر دخلوا في الإسلام، وتعلموا لغته، ودانوا بدينه، وكان لهم حضور وتاريخ ومجد، وكذا الهند والسند والفرس والأمم كلها ذابت وانصهرت في هذا الدين..
ما بَيْنَنَـا عــرَبٌ ولَا عَـجَـمٌ *** مَهلًا يَدُ التَّقوَى هِيَ الْعُلْيا
خَلوا خُيوطَ الْعَنْكَبوتِ فَهمْ *** مِثلُ الذُّبابِ تَطايرُوا عُمْيـا
وَطَنِــي كبيـرٌ لَا حُـدُودَ لَـهُ *** كالشَّمْسِ تَملأُ هذِه الدُّنْيَـا
فِي أندونيسيا فَـوْقَ إِيرَانِـي *** فِي الْهِنْدِ فِي روسيا وتركيا
أَسْيا سَتَصْهِلُ فَـوْقَها خيْلِـي *** وأُحَطمُ الْـقَـيْـدَ الحَدِيدِيَّـا
وهناك أصول كبيرة لهذه الأخوة ينبغي أن تتجدد كلما صلَّى الإنسان؛ لأنه يصلِّي إلى جوار أخيه المسلم، ويسجد ويركع ويقوم معه، وكلما يقرأ القرآن يتخيل أن ملايين المسلمين يقرءون معه الآن، وكلما صام الشهر الكريم أو أفطر وهو يدري أن صيام رمضان واجب وركن من أركان الإسلام تشترك فيه الأمة كلها، وكلما طاف بالبيت وعرف أن هذا البيت هو الذي تصلي إليه الأمة كلها في مشرق الأرض ومغربها.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي