(البناء الجسمي والعلمي والصحي للطفل المسلم)
من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:
الحلقة: الثالثة والستون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1443 ه/ أكتوبر 2021
1.البناء الجسمي:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: علموا أولادكم السباحة والرماية وأن يثبوا على الخيل وثباً(1).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَصُفُّ عبد الله وعبيد الله وكثير من بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول: «من سبق إلي فله كذا وكذا»، فيسبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم(2).
وقد شاهد صلى الله عليه وسلم مصارعة الغلامين قبل غزوة أحد عندما اعترض أحدهما على الآخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقبوله الاشتراك في المعركة وعدم قبول المعترض، وكان فيما قال: يا رسول الله كيف تقبله وأنا إن صارعته صرعته، فتصارعا أمامه وغلبه كما قال، فقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول المعركة(3)، وللعب عدد من الفوائد والقيم:
ـ أن اللعب النشيط ضروري لنمو العضلات للطفل، من خلال اللعب يتعلم مهارات الاكتشاف وتجميع الأشياء.
ـ أن اللعب يفسح المجال أمام الطفل كي يتعلم الشيء الكثير من خلال أدوات اللعب المختلفة كمعرفة الطفل للأشكال المختلفة والألوان والأحجام والملابس.
ـ يصرف الطفل عن طريق اللعب التوتر الذي يتولد نتيجة القيود المختلفة التي تفرض عليه، ولذا نجد أن الأطفال الذين يأتون من بيوت تكثر فيها القيود والأوامر والنواهي، يلعبون أكثر من غيرهم من الأطفال كما أن اللعب وسيلة من أحسن الوسائل لتصريف العدوان المكبوت.
ـ يكتشف الطفل عن طريق اللعب الشيء الكثير من نفسه كمعرفة قدرته ومهارته من خلال تعامله مع زملائه ومقارنة نفسه بهم، كما أنه يتعلم من مشاكله كيف يمكنه مواجهتها.
ـ يستطيع الطفل عن طريق اللعب أن يعبر عن طاقاته الإبداعية.
ـ يتعلم الطفل من خلال اللعب بدايات مفاهيم الخطأ والصواب، كما يتعلم بشكل مبدئي بعض المعايير الخلقية، كالعدل والصدق والأمانة وضبط النفس والروح الرياضية.
ـ يتعلم الطفل من خلال اللعب كيف يبني علاقات اجتماعية مع الآخرين ويتعلم كيفية التعامل معهم بنجاح، كما أنه يتعلم من خلال اللعب التعاوني واللعب مع الكبار الأخذ والعطاء(4).
2 ـ البناء العلمي والفكري:
وضع النبي صلى الله عليه وسلم، قاعدة أصلية لكسب مرحلة الطفولة في التعليم وطلب العلم، فجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، سواء كان صغيراً أم كبيراً رجلاً أو امرأة، صبياً أم بنتاً وهو أفضل العبادات التي يتقرب فيها العبد من ربه، لهذا كانت فترة الطفولة ـ والشباب ـ أخصب فترة في البناء العلمي والفكري وكل العلوم النافعة مطلوبة، وتبقى تعلم القرآن والسنة والعقائد واللغة والفقه ...الخ من الأمور ذات الأهمية بمكان، وبعد أن يتقن الطفل اللغة العربية بشكل جيد ويحفظ شيئاً من القرآن والحديث، فلا مشكلة بأن يتقن لغة أجنبية سائدة، وذلك لتكوين جيل مسلم يستطيع كشف خطط الأعداء ويأمن مكرهم، وينقل العلوم المادية البحتة إلى المسلمين، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول ما وصل المدينة المنورة مهاجراً من مكة، فقد روى أبو يعلي وابن عساكر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال أُتي بي النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فقالوا: يا رسول الله: هذا غلام من بني النجار وقد قرأ مما أنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فأعجبه ذلك قال: «يا زيد تعلّم لي كتاب يهود والله ما آمن يهود على كتابي»، فتعلمته فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كتب وأقرأ كتابهم إذا كتبوا إليه(5). وفي رواية أخرى عن زيد قال لي رسول الله صلى عليه وسلم: «أتحسن السريانية فإنها تأتيني كتب؟» قلت: لا، قال: «فتعلمها»، فتعلمتها في سبعة عشر يوماً(6).
3 ـ البناء الصحي للطفل:
من أسس البناء الصحي للطفل، رياضة السباحة والرماية، وركوب الخيل والمصارعة وغير ذلك من أنواع الرياضة النافعة، وتعويد الطفل سنة السواك، واستخدام معجون الأسنان واهتمامه بالنظافة وتقليم الأظافر، واتباع السنة النبوية في الأكل والشرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»(7).
والنوم على الشق الأيمن وهو ركن صحي نبوي في حياة المسلم وله فوائد صحية كثيرة، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوصي صحابته بذلك: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت، واجعلهن آخر ما تقول»(8.
والنوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر وإبعاد الأطفال عن الأمراض المعدية، وتعويذ الأطفال من العين الحاسدة والجن، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعوِّذ الحسن والحسين: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامَّة»، فيقول «إنَّ أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق»(9).
وسرعة معالجة الطفل المريض، وعيادته وعلاجه بالدعاء والرِّقي(10)، هذا كله من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في البناء الصحي للطفل.
مراجع الحلقة الثالثة والستون:
( ) منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور سويد ص: 211.
(2) المصدر نفسه، ص: 212.
(3) منهج التربية النبوية، ص: 214.
(4) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 216.
(5) سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 187.
(6) سنن أبي داوود منهج التربية النبوية للطفل، ص: 232.
(7) جامع الأصول (7 / 410) المستدرك للحاكم وصححه الذهبي.
(8 البخاري ومسلم، منهج التربية النبوية، ص: 246.
(9) الحاكم في المستدرك (3 / 167) صحيح على شرط الشيخين.
(10) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 248 إلى 256.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com