الجمعة

1446-10-27

|

2025-4-25

(تهذيب الجانب الجنسي للطفل المسلم)

من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:

الحلقة: الرابعة و الستون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1443 ه/ أكتوبر 2021

الدافع الجنسي خلقه الله تعالى في النفس البشرية ليكون سبباً في استمرار الكائنات الحية جميعها ومن بينها الإنسان، وقد خصَّ الله تعالى زمناً معيناً لتفجير هذه الطاقة في الإنسان ليصبح قادراً على الإنجاب، وسمى الشرع الحنيف هذه السن بسن التكليف، أي بدخول الطفل هذا السن يصبح مسؤولاً عن تصرفاته، محاسباً على أعماله.
ولكي يسير الدافع الجنسي في نفس الطفل بشكل هادىء، بلا تهيجات خارجية تغذيه نحو الانحراف عن السلوك القويم، رعى الإسلام هذا الطفل وطالبه بأوامر ونواهي وذلك لكي يتهذب الدافع الجنسي، ويبقى متوازناً ظاهراً بلا انحراف نقياً بلا تلوث.
ومن القواعد الضابطة التي خصَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهذيب الطفل جنسياً وتُبقي فطرته نظيفة طاهرة عفيفة لم تخدشها الجاهلية بمستنقعها الآسن(1).
ــ استئذان الطفل في الدخول:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (النور ، آية : 58 ـ 59).
في هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم وهو أدب يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية، ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة، وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر، بينما يقرر النفسيون اليوم ـ بعد تقدم العلوم النفسية ـ أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها، وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها(2).
تعويد الطفل غض البصر وحفظ العورة:
يعّود الطفل على غض البصر عن العورات كافة المنزلية والخارجية، ويربى على مراقبة الله له، كما فعل الطفل الصالح عبد الله التستري الذي كان ورده القلبي قبل أن ينام: «الله شاهدي، الله ناظري، الله معي» فإن ذلك يورث حلاوة الإيمان يجدها الطفل في نفسه، وفي رواية ابن جرير في تهذيب الآثار أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيتك تصرف وجه ابن عمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جارية حدثة وغلاماً حدثاً فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان»(3).
وقد ذكر الشيخ عبد الحميد كشك في إحدى خطبه قول أحد علماء الألمان حول أهمية غض البصر وأنه هو العلاج الوحيد للجنس قوله: لقد درست علم الجنس وأدوية الجنس فلم أجد دواء أنجح وأنجع من القول في الكتاب الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (النور ، آية : 30).
أما ستر العورة، فإن الطفل يتعودها مع بداية أمره بالصلاة حيث لا بد أن يكون لباسه ساتراً لعورته وذلك لتكون صلاته صحيحة سليمة من صغره، وبالتالي ينشأ على حب ستر العورة صبياً كان أم بنتاً، فالصبي يلبس ما يستر عورته والبنت كذلك، وتزيد عليه أن تتعود الحجاب فتبدأ بحجاب الصلاة، وهكذا ينشأ الطفل مستقيماً صالحاً مهذبة نفسه، قويمة أخلاقه، قوياً في إيمانه(4).
ــ التفريق في المضاجع بين الأطفال:
روى أبي داود بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»(5).
إذن هذا التفريق يبدأ في سن العاشرة حيث تكون الغريزة في طريقها للنمو، ولذلك وجب عدم نوم الطفلين في لحاف واحد، لأن النوم في فراش واحد تحت لحاف واحد يؤدي بالأطفال أن تنمو فيهم الغريزة الجنسية بسرعة متزايدة، وأن تتأجج فلا تجد طريقاً لإنقاذها إلا ببعض مظاهر الانحراف والشذوذ الجنسي، وكم تحدث شذوذات تحت اللحاف لا يشعر بها الأبوان، فتكون سبباً في دمار هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين تساهل آباءهم عن أحوالهم فوضعوهم في مخالفة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم(6).
ــ نوم الطفل على شقه الأيمن وابتعاده عن النوم على بطنه:
اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنوم على الشق الأيمن يبعد الطفل عن كثير من المهيجات الجنسية أثناء النوم، وقد وصف صلى الله عليه وسلم النوم على الوجه بنومة الشيطان، فإذا نام الطفل على بطنه فيؤدي ذلك إلى كثرة حك أعضاءه التناسلية التي تثير شهوته في هذا الحالة، فإذا وجد الوالدان الطفل في هذه الحالة نائماً غيَّرا من حالته، وحببوا إليه النوم على الشق الأيمن والابتعاد عن النوم على الصدر، فضلاً عن النوم عن الصدور يورث كثيراً من الأمراض الجسمية والأطباء جميعاً بدون استثناء ينصحون بالابتعاد عن النوم على البطن(7).
ولابد من الوالدين ومن عقلاء المجتمع إبعاد الأطفال من الاختلاط والمهيجات الجنسية ولابد من تعليم الأطفال فروض الغسل وسننه، وشرح سورة النور وتحفيظها للطفل المميز، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تدخلن امرأة مسلمة الحمام إلا من سقم، وعلموا نساءكم سورة النور(8)، ولابد من المصارحة الجنسية والتحذير من الفاحشة، فالطفل يعلم ويحفظ سورة النور التي تتضمن البناء الخلقي والتهذيب الجنسي للطفل، وتحذره من الوقوع في الفاحشة، وبعد تعلمه فرائض الغسل وإسقاط الجنابة، يحذر تحذيراً شديداً من الوقوع في الفاحشة ويروى له الحديث التالي: "عن أبي أمامة أن فتىً من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، فقالوا: مه ... مه .. فقال: «أدنه» فدنى منه قريباً، فقال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا والله جلعني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أتحبه لأختك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أتحبه لعمتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: «أتحبه لخالتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه، وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه»، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء(9). ويعرّف بعقوبة الزنا وإقامة الحد، ولا بد من تشجيع الزواج المبكر وتسهيله على الشباب فمهما قيل في الزواج المبكر من مساوىء العصر الحاضر، فإن محاسنه تفوقه خاصة إذا صحبه تأمين الحياة المادية، سواء من مساعدة الوالدين، أو كسب الفتى الناشىء، وما أمراض الأمة النفسية والاجتماعية والحوادث الجنائية إلا نتيجة طبيعية لتأخير الزواج.(10)
مراجع الحلقة الرابعة والستون:
( ) منهج التربية للطفل، محمد نور سويد، ص: 259.
(2) في ظلال القرآن للسيد قطب ج (18 / 123).
(3) صحيح ابن خزيمة (4 / 461).
(4) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 263.
(5) سنن أبي داوود، مستدرك الحاكم (1 / 201)، صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي.
(6) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 264.
(7) المصدر نفسه، ص: 264.
(8 مصنف عبد الرزاق (1 / 295).
(9) رواه أحمد والطبراني، منهج النبوية، ص: 368.
(0 ) منهج التربية النبوية، ص: 268.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022