الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

إبراهيم عليه السّلام من أولي العزم (2)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 24

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م

أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أخذ على النبيين جميعهم الميثاق، وخصّ بالذكر أولي العزم من الرسل، وقد أخذ الله ميثاق النبيين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم عليهم الصلاة والسلام أجمعين في حمل أمانة هذا المنهج والاستقامة عليه وتبليغه للناس والقيام عليه في الأمم التي أُرسلوا إليها، وذلك حتى يكون الناس مسؤولين عن هداهم وضلالهم وإيمانهم وكفرهم بعد انقطاع الحجة بتبليغ الرسل عليهم صلوات لله وسلامه، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)} ]الأحزاب:7-8[

إنَّه ميثاق واحد مطرد من لدن آدم - عليه السّلام - وصولاً إلى خاتم النبيين محمد صلّى الله عليه وسلّم، هو ميثاق واحد ومنهج واحد، وأمانة واحدة يتسلَّمها كل واحد منهم حتى يُسلِّمها، وقد عمَّم النص أولاً:

- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ}؛ خصص صاحب القرآن الكريم وصاحب الدعوة العامة إلى العالمين.

- {وَمِنْكَ}؛ وهو عاد إلى أولي العزم من الرسل، وهم أصحاب أكبر الرسالات: {وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}، وبعد بيان أصحاب الميثاق عاد غلى وصف الميثاق نفسه.

- {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}؛ فقد وصف الميثاق بأنه غليظ منظور فيه إلى الأصل اللغوي للفظ ميثاق - وهو الحبل المفتول- الذي استعير للعهد والرابطة، وفيه من جانب آخر تجسيم للمعنوي يزيد إيحاءه للمشاعر، وإنَّه لميثاق غليظ متين، ذلك الميثاق بين الله والمختارين من عباده، ليتلقوا وحيه ويبلغوا عنه ويقوموا على منهجه في أمانة واستقامة.

- {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ}؛ الصادقون هم المؤمنون، فهم الذين قالوا كلمة الصدق واعتنقوا عقيدة الصدق ومن سواهم كاذب؛ لأنه يعتقد بالباطل ويقول كلمة الباطل، ومن ثم كان هذا الوصف دلالته وإيحاءه.

وسؤالهم عن صدقهم يوم القيامة كما يسأل المعلم التلميذ المجتهد الناجح عن إجابته التي استحق بها النجاح والتفوق أمام المدعوّين بحفل النتائج، وهو سؤال للتكريم وللإعلان والإعلام على رؤوس الأشهاد وبيان الاستحقاق، والثناء على المستحقّين للتكريم في يوم الحشر الأعظم، فأما غير الصادقين الذين دانوا بعقيدة الباطل وقالوا كلمة الكذب في أكبر قضية يُقال فيها الصدق أو يُقال فيها الكذب، قضية العقيدة، فأما هؤلاء فلهم جزاء آخر حاضر مهيّأ، يقف لهم في الانتظار وأعدّ للكافرين عذاباً أليماً . (1)

وقد خُصَّ هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيّين؛ لأنهم أصحاب الكتب والشرائع، وأولو العزم من الرّسل.(2)

ومهما يكن من أمر فإن لهؤلاء الخمسة مزيد من فضل على غيرهم من الأنبياء والمرسلين، سواء قلنا إنَّ الأنبياء والمرسلين كلهم أولو عزم، أو قلنا إنَّ أولي العزم من الرّسل هم هؤلاء الخمسة فقط؛ لأن الأنبياء يتفاضلون فيما بينهم لقوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ]البقرة:253[.

وكون أولو العزم هم هؤلاء الخمسة هو الذي عليه أكثر أهل العلم من المفسرين وغيرهم، فقد قال الشيخ السعدي في تفسير الآية التي ذكرت أولي العزم في سورة الأحزاب: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} ]الأحزاب:7[ بقوله: يخبر تعالى أنه أخذ من النبيّين عموماً ومن أولي العزم، وهم هؤلاء الخمسة المذكور - خاصة - ميثاقهم الغليظ، وعهدهم الثقيل المؤكّد على القيام بدين الله والجهاد وسبيله، وأمر الناس بالاقتداء بهم.(3)

مراجع الحلقة الرابعة والعشرون:

(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2830)

(2) تفسير البغوي "معالم التنزيل"، البغوي، تح: محمد عبد الله النمر، (6/320).

(3) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، (1/659).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022