(الحكمة من بعث الرّسل)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 26
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م
1. حاجة الخلق إليهم:
إنَّ الأنبياء والرّسل هم صفوة الخلق، والخلق بحاجة إليهم؛ ليبلّغوهم ما يُحبه الله ويرضاه، وما يغضب منه ويأباه، وكثير من العُصاة والمنحرفين ضلّوا في متاهات الشقاوة، هذا مع وجود الأنبياء عليهم السلام، فكيف تكون الحال لو لم يُرسل الله تعالى رسلاً مبشّرين ومنذرين.
فقد بُعث الرّسل يُهذبون العباد ويخرجونهم من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ويحرّرونهم من رِقّ عبودية المخلوق إلى حرية عبادة رب الأرباب الذي أوجدهم من العدم، وسيُفنيهم بعد الوجود، ويبعثهم بعد الفناء؛ ليكونوا إمّا أشقياء، وإمّا سُعداء، ولو ترك الناس هملاً دون إنذار وتخويف لعاشوا عيشة ضنكا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وعادات منحرفة، وأخلاق فاسدة وأصبحت الحياة مجتمع غاب، القوي فيهم يأكل الضعيف، والشريف فيهم يُذلّ الوضيع، وهكذا فاقتضت حكمته جلّ وعلا ألذا يخلق عباده سُدى ولا يتركهم هملاً، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} ]القيامة:36[.
إن من رحمة الله جلّ وعلا أن مَنَّ عليهم، فبعث فيهم رسّلاً مبشرين ومنذرين، يتلون عليهم آيات ربهم، ويعلمونهم ما يُصلحهم ويُرشدونهم إلى مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
2. دعوة الناس إلى عبادة الله:
إنَّ الغاية العظمى التي أوجد الله الخلق لأجلها هي عبادته وتوحيده، وفعل الخيرات واجتناب المعاصي، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ]الذاريات:56[، فلا يستطيع الإنسان أن يعرف العبادة من فعل ما يحبّه الله ويرضاه وترك ما يكرهه ويأباه إلا عن طريق الرّسل الذين اصطفاهم الله من خلقه وفضّلهم على العالمين، وجعلهم مُبَرّئين من كل عيب مُشين، ومن كل خُلُق معيب، وأيدهم بالمعجزات والحجج والبراهين، وأنزل عليهم البيّنات والهدى وعرّفهم به وأمرهم أن يدعو الناس إلى عبادته وحده حقّ العبادة .(1)
3. إقامة الحُجّة على البشر بإرسال الرسل:
- قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} ]النساء:165[.
- وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ]الإسراء:15[.
- وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} ]طه:134[.
فقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرّسل ليقطع دابر الكافرين، فلا يعتذروا عن كفرهم بعدم مجيء النذير وليعلم الله تعالى علم ظهور، وإلا فهو تعالى يعلم - بالعلم الأزلي - من يطيعه ومن يعصيه وليقيم على عباده الحجة الدامغة؛ فيحيى من حيًّ عن بينة ويهلك من هلك عن بيان وبرهان.
4. الأنبياء هم الطريق لمعرفة العقائد الغيبية:
لا يدرك البشر بعقولهم كثيراً من الغائبات، فهم بحاجة لمن يُعلّمهم ذلك، مثل معرفة أسماء الله جلَّ وعلا وصفاته ومعرفة الملائكة والجن والشياطين، ومعرفة ما أعدّ الله للطائعين في دار رضوانه وكرامته، وما أعدّ للعاصين في دار سخطه وإهانته، ولذلك فإن حاجتهم إلى من يعلمهم هذه الحقائق، ويُطلعهم على هذه المغيّبات ضرورة.
ولقد امتدح الله تعالى عباده الذين يؤمنون بالغيب؛ فقال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ]البقرة:1-3[، فلو لم يبعث الله الرّسل لما عرف الناس هذه الأمور الغيبية، ولما آمنوا إلا بما يدركون بحواسهم، فسبحان الخلّاق العليم الذي مَنّ على عباده ببعثة الأنبياء والمرسلين.
مراجع الحلقة السادسة والعشرون:
(1) كتاب النبوّات، ابن تيمية، (1/23).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي