الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

(تعاليم إبراهيم عليه السّلام من عند الله تعالى)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 22

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م

تشملُ هذه التعاليم رسالة إبراهيم - عليه السّلام - كذلك الإيمان بالوحي فمن الطبعي أن يخبر إبراهيم - عليه السّلام - أنه يوحى إليه من عند الله، وأن التعاليم التي يُبلّغها لهم ليست من عنده، وإنما يوحى بها إليه من ربه، وذكر الله إبراهيم - عليه السّلام - في القرآن في جملة من يُوحى إليهم من النبيّين .(1)

قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} ]النساء:163-165[.

وهذا السياق القرآني يتحدث عن موكب واحد، وهو يتراءى عن طريق التاريخ البشري الموصول، ورسالة واحدة لهدى واحد للإنذار والتبشير، وموكب واحد يضم هذه الصفوة المختارة من البشر: نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وداوود وموسى وغيرهم ممن قصّهم الله على نبيّه المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم) في القرآن الكريم، ومن لم يقصّ عليه، موكب من شتّى الأقوام والأجناس، وشتّى البقاع والأرضين في شتّى الآونة والأزمان، لا يفرّقهم نسب ولا جنس ولا أرض ولا وطن، ولا زمن ولا بيئة، كلهم يؤدي الإنذار والتبشير وكلهم يحاول أن يأخذ بزمام القافلة إلى ذلك النور، سواء منهم من جاء للناس أجمعين محمد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) خاتم النبيّين.

كلّهم تلقّوا الوحي من الله تعالى، وما جاؤوا بشيء من عندهم، أولئك الرّسل من قصّ الله على رسوله منهم ومن لم يقص، اقتضت عدالة الله ورحمته أن يبعث بهم إلى عباده يبشرونهم بما أعدّه الله للمؤمنين الطائعين من نعيم ورضوان، وينذرونهم بما أعدّه الله للكافرين العصاة من جحيم وغضب كل ذلك: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، ولله الحجة البالغة في الأنفس والآفاق، وقد أعطى الله البشر من العقل ما يتدبرون به دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق، ولكنه سبحانه وتعالى رحمةً منه بعباده، وتقديراً لغلبة الشهوات على تلك الأداة العظيمة التي أعطاها لهم (العقل)، اقتضت رحمته وحكمته أن يرسل إليهم الرسل مبشّرين ومنذرين يذكرونهم ويبصرونهم ويحاولون استنقاذ فطرتهم وتحرير عقولهم من ركام الشهوات التي تحجب عنها أو تحجبها عن دلائل الهدى وموجبات الإيمان في الأنفس والآفاق {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، وعزيزاً أيّ قادراً على أخذ العباد بما كسبوا، حكيماً: يدبّر الأمر كله بالحكمة، ويضع كل أمر في نصابه .(2)

إننا نقف أمام عظمة العدل، والذي يرتّب للناس حجة على الله سبحانه لو لم يُرسل مبشرين ومنذرين، هذا ما احتشد كتاب الكون المفتوح وكتاب النفس المكنون بالآيات والشواهد على الخالق ووحدانيّته وتدبيره وتقديره وقدرته وعلمه، ومع امتلاء الفطرة بالأشواق والهواتف إلى الاتصال بباريها والإذعان له والتناسق والتجاوب والتجاذب بينها، وبين دلائل وجود الخالق في الكون والنفس، ومع هبة العقل الذي يملك أن يحصي الشواهد ويستنبط النتائج، ولكن الله سبحانه بما يعلم من عوامل الضعف التي تطرأ على هذه القوى كلها فتعطّلها أو تفسدها أو تطمسها أو تدخل في حكمها الخطأ والشطط، قد أعفى الناس من حجية الكون، وحجية الفطرة، وحجية العقل، ما لم يرسل إليهم الرسل؛ ليستنقذوا هذه الأجهزة كلها مما قد يرين عليها، وليضبطوا بموازين الحق الإلهي الممثل في الرسالة، هذه الأجهزة فتصح أحكامها حين تستقيم على ضوابط المنهج الإلهي، وعندئذ فقط يلزمها الإقرار والطاعة والاتباع؛ أو تسقط حجتها وتستحق العقاب.(3)

وخطأ وضلال إن لم يكن هو الخداع والتضليل كل زعم يقول: إنَّ العقول الكبيرة كانت حَرية أن تبلغ من دون الرسالة ما بلغته بالرسالة، فالعقل ينضبط مع الرسالة بمنهج النظر الصحيح، وأية أن ما يتمّ بالرسالة - عن طريق العقل نفسه- لا يمكن أن يتمّ بغيرها، فلا يغني العقل البشري عنها.

إنَّ تاريخ البشرية لم يسجل أنَّ عقلاً واحداً من العقول الكبيرة النادرة اهتدى إلى مثل ما اهتدت إليه العقول العادية والمتوسطة بالرسالة:

- لا في تصور اعتقادي.

- ولا في خلق نفسي.

- ولا في نظام حياة.

- ولا في تشريع واحد لهذا النظام.

إنَّ عقول أفلاطون وأرسطو من العقول الكبيرة قطعاً، بل إنهم ليقولون: إن عقل أرسطو هو أكبر عقلِ عرفته البشرية –بعيداً عن رسالة الله وهداه- فإذا نحن رجعنا تصوّره لإلهه - كما وصفه - رأينا المسافة التي تفصله عن تصور المسلم العادي لإلهه مهتدياً بهدي الرسالة،(4) فسبحان الله الذي قال في كتابه الكريم: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.

مراجع الحلقة الثانية والعشرون:

(1) الارتباط الزمني والعقائدي بين الأنبياء والرّسل، محمد وصفي، ص315.

(2) في ظلال القرآن، سيد قطب، (2/805 - 806).

(3) في ظلال القرآن، سيد قطب، (2/811).

(4) المرجع نفسه، (2/811).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022