(خصائص الأنبياء والمرسلين) (1)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 33
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1443 ه/ يوليو 2022م
يمكن إجمال هذه الخصائص التي تفرّدوا بها عن سائر البشر فيما يأتي:
1. اصطفاؤهم بالوحي والرسالة:
قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ]الحج:75[، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ]الكهف:110[، ويترتب على هذا الوحي أمور يتميزون بها عن الناس، مثل تكليم بعضهم لله عزّ وجل، ونزول الملائكة عليهم، وتعريف الله سبحانه لهم ببعض الغيوب الماضية أو المستقبلية، أو اطلاعه سبحانه لبعضهم على شيء من عالم الغيب، كما حصل ذلك للرسول (صلّى الله عليه وسلّم) في الإسراء والمعراج، وهذه أكبر وأعظم صفات الأنبياء التي تفردوا بها وأنعم الله سبحانه بها عليهم، وهذه الخاصية هي التي توجب على العباد طاعة أنبيائهم وقبول ما يأتون به ويأمرون وينهون؛ لأنه وحي من عند الله عزّ وجل أمر الأنبياء بإبلاغه للناس، وهذا بدوره يوجب على الناس توفير أنبيائهم وأقوالهم وتوجيهاتهم ويمنع من التقدم عليهم بقول أو فعل.(1)
2. العِصمة:
هذه خاصّيّة ثانية، انفرد بها الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - عن البشر، وهي من لوازم الوحي والرسالة التي أكرم الله سبحانه بها من أنبياءه، فجعلهم معصومين فيما يبلغونه للناس من العقائد والأحكام، ولو وقع أحدهم في خطأ قولي أو عملي، فمن لوازم العصمة أن الله عزّ وجل لا يقرّه على هذا الخطأ في وقته ويفيء النبي في ذلك بأسرع وقت؛ ويكون حاله بعد التوبة أكمل من حاله قبل وقوعه في الذنب أو الخطأ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: واعلم أنَّ المنحرفين في مسألة العصمة على طرفي نقيض، كلاهما مخالف لكتاب الله من بعض الوجوه: قوم أفرطوا في دعوى امتناع الذنوب، حتى حرفوا نصوص القرآن المخبرة بما وقع منهم من التوبة من الذنوب، ومغفرة الله لهم ورفع درجاتهم بذلك، وقوم أفرطوا في أن ذكروا عنهم ما دل القرآن على براءتهم منه، وأضافوا إليهم ذنوباً وعيوباً نزههم الله عنها، هؤلاء مخالفون للقرآن وهؤلاء مخالفون للقرآن، ومن اتبع القرآن على ما هو عليه من غير تحريف كان من الأمة الوسط مهتدياً إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.(2)
والذي يعنينا هنا، هو عصمة منهجهم وهديهم؛ لأنه وحي من الله عزّ وجل، وهذا يكفل لسالكه السلامة من الخلل والانحراف ويضمن له النجاة والفوز والتمكين؛ لأنه منهج معصوم لا يعتريه ما يعتري المناهج البشرية من خلل وقصور وانحراف، وينبغي قبل أن ننهي الحديث حول هذه المسألة التنبيه على مسألتين مهمّتين:
- الأولى: وجوب التأدب مع أنبياء الله عزّ وجل ومعرفة حقهم وبالأخص مع من بدر منه بعض الأخطاء التي لم يقرّهم الله عزّ وجل عليها، بل وفقهم لتركها والتوبة منها، حيث إن هذا لا ينافي عصمتهم ولا ينقص من قدرهم وكمالهم لأن الله عزّ وجل تاب عليهم واجتباهم وهداهم، ومن ذلك قوله (صلّى الله عليه وسلّم) عن نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى.(3) فالحذر الحذر من تنقصهم وإساءة الظن بهم.
- الثانية: الحذر من الروايات الإسرائيلية التي يرويها كثير من المفسرين في قصص الأنبياء في القرآن وما في بعضها من إساءة الظن والأدب بأنبياء الله ورسله ومنافاتها لعصمتهم مع أنه لا أصل لها، فهي مردودة سنداً ومتناً، فجميع الأخبار الماضية لا نقبل منها في تفسير القرآن إلا ما جاء في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة وما سواهما فمردود ومرفوض لأنه رجم بالغيب .(4)
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "وقد تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب الله بالأخبار الإسرائيلية، ولو على تجويز الرواية عنهم بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن معاني كتاب الله عزَّ وجلَّ يقينيّة، وتلك أمور لا تصدّق ولا تكذب فلا يمكن اتفاقهما .(5)
مراجع الحلقة الثالثة والثلاثون:
( ) وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، عبد العزيز ناصر الجليل، (3/30).
(2) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، (15/150).
(3) صحيح البخاري، رقم (3395). ويُنظر: صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1972م. رقم (2377).
(4) وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، عبد العزيز ناصر الجليل، (3/32).
(5) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، (2/130).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي