(إضاءات حول خصائص الأنبياء والمرسلين)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 32
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1443 ه/ يوليو 2022م
إنَّ الأنبياءَ - عليهم الصلاة والسلام - صفوة البشر وسادتهم، وهم من بني آدم لهم خصائص البشر وصفاتهم لا يخرجون عن صفتهم البشرية، ولكنَّ الله عزّ وجل اصطفاهم وأنعم عليهم باختيارهم رسلاً إلى الناس، وخصّهم كذلك ببعض الخصائص والصفات التي لا يشترك معهم بقية البشر فيها، وهذه الخصائص لا تخرجهم عن بشريتهم وعبوديتهم لله عزّ وجل، قال تعالى على لسان بعض رسله في مجادلتهم لأقوامهم: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ]إبراهيم:11[، ولله عزّ وجل الحكمة البالغة في كون الأنبياء من البشر، فلو لم يكونوا كذلك لم يكن هناك مجال للاقتداء بهم والتأسّي بأحوالهم، وما خفي علينا من الحكم أكثر.
وقد تحدث بعض العلماء عن خصائص الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لعلنا نعرف لهم حقهم ونقدر لهم قدرهم، فنبذل لهم من الأدب والحب والولاء ما يستحقونه، وما يلزم ذلك من الاتّباع والتأسي بحياتهم وهديهم، وقبل ذكر هذه الخصائص فإنه يحسن أن نُلم ببعض لوازم بشرية الرّسل التي استنكرها كل قوم على نبيهم وذلك كما في قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} ]الإسراء:94[.
وعجباً للقوم الكافرين كيف لم ينتبهوا لنعمة الله عزّ وجل بأن جعل الرسل بشراً من جنسهم، فجحدوا هذه النعمة واستغربوها مع ما فيها من اللطف والرفق بالعباد؛ حيث أرسل الله إليهم رسلاً من جنسهم؛ ليفقهوا عنهم ما يبلغونهم عن الله تعالى، ويتمكّنوا من القيام بما يُدعون إليه، ولو بُعث إلى الناس رسل من الملائكة أو من غير جنسهم لما استطاع الناس الفقه والأخذ عنهم، ولقالوا: هم من جنس غيرنا فلا نقبل ولا نفقه عنهم، فرجع الإعراض في الأول والآخر إلى الهوى نعوذ بالله.
• ومن لوازم بشرية الرسل عليهم الصلاة والسلام:
- الاتّصاف بما تتصف به الطبيعة البشرية من كونهم جسداً يحتاجون إلى الطعام والشراب والنكاح، كما أن لهم أزواجاً وذرية وآباء وأمهات وأقارب.
- يصيبهم ما يصيب البشر من الأمراض والمكاره والسهو والنسيان والنوم.
- يرضون ويغضبون، ويفرحون ويحزنون.
- يتعرضون للابتلاء كما يتعرض البشر؛ بل إنَّ الأنبياء أشدّ الناس بلاءً.
- لا يعلمون الغيب إلا ما علمهم الله عزّ وجل.
- يقومون بأعمال البشر والأشغال التي يمارسها البشر، كالرّعي والتجارة وصناعة السيوف والدروع وغيرها من المهن البشرية.
- ليس فيهم شيء من خصائص الألوهية ولا الربوبية بل هم عبيد الله تعالى، حققوا العبودية على أكمل وجه، وتبرأوا من حولهم وقوتهم، واعتصموا بالله وحده وفوضوا أمورهم إليه.
ومع اشتراكهم مع البشر في صفة البشرية، فلقد حققوا الكمال البشري في أرقى صورة؛ لأن الله عزّ وجل اصطفاهم واجتباهم ورباهم على عينه، فجاءت قلوبهم أطهر البشر قلوباً، وعقولهم أزكى البشر عقولاً وقريحة، وأخلاقهم أكمل البشر وأزكاهم أخلاقاً، ومعرفتهم بربهم وعبادتهم له سبحانه أكمل البشر معرفة وعبودية وإيماناً، بل حتى في الصورة الظاهرة الخلفية كانوا أكمل البشر أجساماً وأجملهم صورة، وصدق الله العظيم: {... اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ]الأنعام:124[.
وهذه الصفات - السابق ذكرها - هي من مقتضيات البشرية التي يشتركون مع البشر فيها، ولكن الله عزّ وجل بعلمه الشامل وحكمته البالغة خصّ هؤلاء الصفوة من البشر بنعمة النبوة والرسالة، وخصّهم لأجلها بصفات وخصائص تفرّدوا بها عن سائر البشر وفُضّلوا عليهم واستحقوا من أجلها إجلال الناس لهم، ومحبتهم إياهم وطاعتهم لهم، واتباعهم لمنهجهم وهديهم العام ووجب على كل قوم طاعة نبيّهم في شريعته الخاصة بهم.
مراجع الحلقة الثانية والثلاثون:
(1) وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، عبد العزيز ناصر الجليل، (3/30).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي