الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

(تأملات في الأية الكريمة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ})

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 49

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1444ه/ أغسطس 2022م

1. قال أبو حيان: لما ذكر قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا} ]الأنعام:71[ يتناسب مع ذكر هذه الآية هنا، وكان التذكير بقصة إبراهيم مع أبيه وقومه أنسب لرجوع العرب إليه، إذ هو جدّهم الأعلى، فذكروا بأن إنكار النبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) عليكم عبادة الأصنام هو مثل إنكار جدكم إبراهيم على أبيه وقومه عبادتها، وعلى ذلك التنبيه في اقتفاء من سلفَ من صالحي الآباء والأجداد، وكذلك سائر الطوائف معظمون لإبراهيم الخليل - عليه السّلام -.(1)

2. قال الطبري: يقول سبحانه وتعالى ذكره لنبيه محمد (صلّى الله عليه وسلّم): واذكر يا محمد لحجاجك الذي تحاجج به قومك، وخصومتك إياهم في آلهتهم وما تراجعهم فيها، مما نلقيه إليك من البرهان والدلالة على باطل ما عليه قومك، وصحة ما أنت عليه مقيم من الدين، وحقيقة ما أنت مستمداً له من حجاج إبراهيم لقومه، ومراجعته إياهم في باطل ما كانوا عليه مقيمين من عبادة الأوثان، وانقطاعه إلى الله والرضا به والياً وناصراً دون الأصنام، فاتخذه إماماً واقتدي به، واجعل سيرته في قومك لنفسك مثالاً، وذلك في قوله تعالى: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وهذا خبر من الله تعالى عن قول إبراهيم لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً}؛ أيّ هل تعبدها وتتخذها رباً من دون الله الذي خلقك فسوّاك ورزقك.

وأردف قائلاً: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، أي إني أراك يا أبي وقومك الذين يعبدون معك الأصنام، ويتخذونها آلهة في ضلال وغواية، وعدول عن سبيل الصواب {مُبِينٍ}، فيقول: يتبين لمن أبصره أنه جور عن قصد السبيل وزوال عن الطريق القويم، يعنى بذلك: أنه قد ضل هو وهم عن توحيد الله وعبادته الذي استوجب عليهم إخلاص العبادة بآلائه عندهم دون غيره من الآلهة والأوثان .(2)

3. قال ابن كثير: والمقصود أنَّ إبراهيم عليه السّلام وعظ أباه في عبادة الأصنام وزجره عنها ونهاه فلم ينتهِ، كما قال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً} أي: أتتأله لضم تعبده من دون الله؟ {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ} أي: السالكين مسلك {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: تائهين لا يهتدون أين يسلكون، بل في حيرة وجهل، وأمركم في الجهالة والضلال بيّن واضح لكل ذي عقل صحيح.(3)

4. قال عبد الحميد طهماز: في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً}، وهو استفهام تعجب واستنكار، وكلمة {أَتَتَّخِذُ} تدل على أن أباه كان يضع الأصنام بيده، وقد جاء في الأخبار أنه كان صانع أصنام ويبدو أنَّ إبراهيم - عليه السّلام - أغلظ الخطاب لوالده بعدما رأى إصراره على الكفر وشدة العناد، وقد تلطف إبراهيم - عليه السّلام - كثيراً في دعوته لأبيه، مع أنه لقي منه جفوة وغلظة وعناداً، وقد ظهر ذلك فيما ذكره مفصّلاً في سورة مريم وسيأتي الحديث عن قصته هناك بإذن الله تعالى بالتفصيل.

مراجع الحلقة التاسعة والأربعون:

( ). وهنا الأصنام معناها: جمع صنم، وهو الجثة المتخذة من الخشب أو حجر أو نحاس، فتعبد متقرباً بها إلى الله تعالى. قال ابن عرفة: كل ما اتخذ له صورة فهو صنم، وإن لم يكن له صورة فهو وثن، يُنظر: التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (10/291).

(2) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (7/242-244).

(3) تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، ابن كثير، (3/283).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022