الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

إشراقات قرآنية: سورة الفلق

الحلقة 190

بقلم: د. سلمان بن فهد العودة

صفر 1442 هــ / سبتمبر 2021

* {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد}:

الحسد: ما يقع في قلب الإنسان بسبب النعمة التي أنعم الله تعالى بها على أحد من الخلق.

وإنما أمر تعالى بالاستعاذة من شرِّ الحاسد إذا حسد؛ لأنه ما من نفس إلا وفيها شيء من الحسد، كما قال بعض السلف: «ما خلا جسدٌ من حسد، ولكن اللَّئيم يُبديه، والكريم يُخفيه». وهذا ليس على إطلاقه، وقد قال محمد بن سيرين: «ما حسدتُ أحدًا قطُّ، بَرًّا ولا فاجرًا».

فالحسد باعتباره شعورًا يقع في القلب ليس بغريب، بل يقل أو يندر أن يسلم منه أحد، كما ذكر ابن رجب الحنبلي وغيره، خاصة بين الأقران والمشتركين في عمل أو فنٍّ واحد.

فالحاسد إذا حسد يُستعاذ منه، أما الحاسد إذا كتم واستعاذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ولم يؤذ أحدًا، فلا يدخل في هذا؛ لأن هذا من طبع بني آدم.

وحسد الحاسد تقع منه العين، و«العينُ حقٌّ»، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولو كان شيءٌ سابقَ القَدَرِ سبقَتْه العينُ». وورد: «إن العينَ تُدْخِلُ الرجلَ القبرَ، وتُدِخِلَ الجملَ القِدْرَ».

وقال صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: «باسم الله أَرْقِيكَ، من كلِّ شيء يُؤذيكَ، من شرِّ كلِّ نفسٍ أو عينِ حاسد، اللهُ يشفيك، باسم الله أَرْقِيكَ». فإذا رأى الإنسان شيئًا فاستحسنه، ووقع في قلبه نوع من الحسد وتمنَّي زوال هذا الأمر عن هذا الإنسان، فإنه قد يضره.

والشريعة جاءت ببيان حصول هذا الأمر، وأما كيفية حصوله فهذا إلى الله سبحانه، ولا داعي لأن نقحم هذا الكلام في تفسير كلام الله عز وجل.

والحسد قد يقع من الأخيار، فقد سُئل الحسن البصري: أيحسدُ المؤمنُ؟ فقال: «لا أبا لك! أنسيت إخوة يوسف؟!». أي: أنهم حسدوه وكادوا له، وعملوا ما عملوا وهم أنبياء وأبناء أنبياء.

والحسد كثيرًا ما يؤثِّر في علاقة الناس بعضهم ببعض، وغالبًا ما يكون بين الأقران، بل قد يقع بين المخلصين المنطلقين في طريق واحد من الخير.

فالواجب أن يستعيذ المؤمن منه وأن يجاهد نفسه، ولا يستجيب للخواطر المريضة، ومَن اجتهد وجاهد، فإنه يستطيع أن يتخلص من هذا الداء، وعليه أن يكثر من الدعاء في سجوده لمَن يظن أنه حسده، وأن يثني عليه خيرًا بلسانه في المجالس، وأن يعينه بما يستطيع، حتى يرغم أنف الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، والله أعلم.

سلسلة كتب:

إشراقات قرآنية (4 أجزاء)

للدكتور سلمان العودة

متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022