إشراقات قرآنية: سورة الفلق
الحلقة 189
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة
صفر 1442 هــ / سبتمبر 2021
* {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد}:
النفث هو: النفخ مع شيء من الرِّيق، والنفاثات في العقد فيها أقوال:
1- قد يراد بها النفوس الشِّرِّيرة التي تنفث وتتعاطى حرفة السحر، فتقوم بعقد بعض الحبال والنفث عليها بتعاويذ شيطانية ورقًى شركية بقصد الإضرار بشخص معين، أو التأثير عليه.
ونسب الله تعالى الشر إلى النفاثات لا إلى النفث؛ لأن النفث نفسه لا يضر، وإنما التي تضر هي النفوس التي تقوم بهذا النفث، وبهذا الكيد والمكر، ولذلك سميت بـ{النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد}، وإن كانت تمارس أعمالًا أخرى في إلحاق الضرر بالشخص.
2- أنها الجماعات، سواء كانوا رجالًا أم نساءً، ففي بعض البلدان تعقد مؤتمرات جماعية للسَّحَرة، وفي اجتماعهم من الضرر والشر ما ليس في عمل الفرد الواحد، فيكون ذلك أبلغ في الشر وإلحاق الأذى.
3- وأما القائلون بتخصيص النفاثات في العقد بالنساء دون الرجال، فيحتاجون إلى بيان وجه تخصيص النساء دون الرجال في موضوع السحر؛ مع أنه قد يقع من هؤلاء وهؤلاء.
وقال بعضهم: إن المقصود به بنات لَبِيد بن الأَعْصم؛ لأنهن قُمن بسحر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: إن السحر عند النساء أكثر منه عند الرجال، وهذا ليس ببعيد؛ لأن كثيرًا من النساء يلجأن للسحر حتى تؤثِّر على زوجها وتعطِفُه إليها، أو تصرفه عن امرأة أخرى، أو تكيد بالسحر لغيرها، أو تستميل قلب من عشقته إليها، ثم تتعاطاه بعد ذلك.
4- وذكر أبو مسلم الأصفهاني أن النفاثات في العقد: النساء اللاتي يؤثِّرن في عزائم الرجال، واعتبر أن العُقد هي العزيمة، أي: عزيمة الرجل على أمر، فقد تؤثِّر عليه المرأة، فتحدث له التراجع عما أراد بسبب تأثيرها وكيدها ونفثها وحلو حديثها.
وهذا القول وإن كان ظاهره لا بأس به، إلا أنه لا يساعده السياق والرواية.
5- وقيل: المشَّاءات بالنميمة، وهو قول الشيخ محمد عبده، ومَن تابعه وأخذ عنه، ولم أجده منسوبًا إلى أحد من أئمة السلف وعلمائهم، إلا أن يشبه قول أبي مسلم الأصبهاني.
والمختار أن المقصود بالنفاثات في العقد: السَّواحر من النساء، أو السَّحَرة من الرجال والنساء على سبيل العموم، أو النفوس الشريرة التي تتعاطى السحر وتُؤذي به عباد الله تعالى.
و(ال) في {النَّفَّاثَاتِ} جنسية، وهذا من باب التنويع في السياق؛ فقد نكَّر ما قبلها فقال: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ}، ثم أدخل (ال) على النفاثات، ثم عاد إلى النكير، فقال: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد}، وإلا فالكل نكرة.
ويحتمل أن التعريف في قوله تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ} لبيان أن فعل النفاثات لا يكون إلا شرًّا، فيستعاذ منهن استعاذة مطلقة، بخلاف شر الغاسق إذا وقب؛ إذ فيه الخير والشر، والحاسد إذا حسد قد يضر حسده المحسود وقد لا يضره.
سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/books/7