السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

النبي الرحمة صلى الله عليه وسلم (4)

الحلقة الثانية والثمانون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022

- القلب الكبير:

تجد في عالم المسلمين اليوم الكثيرين ممن تتحرك الغيرة في قلوبهم والنخوة والاعتزاز بهذا الدين، فيترتب على ذلك جانب النكاية والقوة وجانب الغلبة، وذلك لن يفتح للناس باب الخير والدعوة، فمقام الدعوة يناسبه جانب الهداية والرحمة، والحلم والصبر والتسامح، والنبي صلى الله عليه وسلم كان سيد المتسامحين في مكة والمدينة، وفي أول أمره وآخره، ولعل هذا النموذج الذي نقف أمامه الآن من أقوى النماذج وأشدها.

وهناك أنموذج آخر في قصة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لما قال لأهل مكة: «مَا تَرَوْنَ أنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟». قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: «اذْهَبُوا فَأنْتُم الطُّلَقاءُ».

لعمر الله إن هذا لقلب عظيم.. يتناسى عشرين سنة من الأذى والحرب، والتعذيب والمطاردة، وسفك الدماء، فبدلًا من أن يقيم محاكم ومقاصم تجده يتسامح صلى الله عليه وسلم ويتركها لوجه الله بقوله: «أَقُولُ كَمَا قالَ أَخِي يُوسُفُ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92]».

ومن ذلك قصته صلى الله عليه وسلم مع ثُمامة بن أُثال حينما أمسك به المسلمون وربطوه في المسجد، فيمر عليه النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد أخرى، ثم يقول في الآخِر: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فأَطْلَقُوه، فيذهب فيغتسل ويعود إلى المسجد ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

لقد تأملتُ هذا الموقف الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أُبيٍّ ابن سَلُولَ، فرأيت شيئًا مدهشًا تحار فيه العقول، ويا ليت كل مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم يقف أمام هذه العبرة.

نعم، لقد نهاه ربه أن يصلِّي بعد اليوم على أحد منهم، فهذا القدر مما نهاه ربه عنه بعد ذلك، لكن في القدر الذي لم يتأت فيه نهي من عفوه صلى الله عليه وسلم وتسامحه وصبره وأن يعطيه قميصه، وما أعطاه قميصه إلا بناءً على طلب الابن ولعله أن يخفف عنه العذاب.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل في قلبه هم البشرية كلها.. أن يدعوهم إلى الله عز وجل، وأن ينقذهم وينجيهم من عذاب الله تعالى، ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم:

«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ».

أيها الداعية، الزم غرزه صلى الله عليه وسلم، فإنه على الحق، وربِّ نفسك على معاني التسامح والقيم، ولا تغلب جانب النكاية على جانب الهداية: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90].

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022