السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

النبي الواثق صلى الله عليه وسلم(2)

الحلقة الرابعة والثمانون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022

- كسوف العقل:

إن الواقع المشاهد والمليء بالمعاناة والآلام، وفي خضم العدد الهائل من المشكلات والأزمات الخاصة والعامة يؤكد أن الكثيرين لا يملكون أنفسهم عند هذه الأزمات، فيظهر عندهم كسوف العقل وبروز الغضب والانفعال، ولذلك ربما يتكلم الإنسان بحرارة وحدة تجعل الذي يستمع إليه يتألم فعلًا؛ لأنه يدرك أن كلام هذا الإنسان لم يصدر من فراغ، بل هو صادر عن معاناة قلب مجروح، وعن ألم نفسي وداخلي، وعن مصائب حادة مؤلمة، لكن الإنسان يتألم أكثر لفقد هؤلاء الناس لاتزانهم، وبالتالي سوف تكون الأزمة مضاعفة، ولو أن الإنسان كان هادئًا تجاه الأزمة فإنه سوف يتعامل معها بشكل صحيح ولو فيما يخصه هو، لكنه إذا فقد اتزانه فقد يفقد هذا التعامل الصحيح مع الأزمة ويصبح هو جزءًا منها.

- صلح الحديبية:

تستطيع أن تقول: إنه صلى الله عليه وسلم ما فقد هذه الروح وتجاوزها، بل هناك عشرات الأمثلة على ذلك، ومنها قصة الحديبية، لما جاء عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألست نبي الله حقًّا؟! قال: «بَلَى». قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟! قال: «بَلَى». قال: فلم نعطي الدَّنِيَّة في ديننا إذًا؟!.

كان هناك نوع من التذمر عند الصحابة رضي الله عنهم، وقد كان عمر أبلغ الصحابة وأجرأهم على البوح في هذا الموضوع، فيأتي إلى أبي بكر ثم يأتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويتكلم بهذه اللغة: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟! ثم يعبر بهذا التعبير العجيب: فعلام نعطي الدَّنِيَّة في ديننا إذًا؟!

لقد اعتبر رضي الله عنه هذا الصلح نوعًا من الدَّنِيَّة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قابل ذلك بالهدوء ليس في العبارات فقط، بل في النفسية والشخصية، قال: «أَنَا عَبْدُ اللهِ ورَسُولُه، وَلَنْ أُخالِفَ أَمْرَه، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي». كلمات معدودات لكنها بليغة، نتكلم عنها بعد ألف وأربعمئة سنة، ونستخرج منها هذا المعنى الراقي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وكل أحد من الناس.. الزوج.. الموظف.. الرئيس.. كل هؤلاء يحتاجون إلى إبراز هذا المعنى وتعهده في نفوسهم، بحيث يحافظ الإنسان على هدوئه واتزانه في المواقف، ويفصل تمامًا بين قضية الرضا بالفعل وبين قضية الرضا بالقدر، بمعنى أن الإنسان يرضى بما كتب الله عز وجل، ويدرك أنه كما قال الله سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام: 35].

يعني: غضبت أو رضيت ماذا تستطيع أن تعمل؟ هل تعتقد أن مجرد الغضب والانفعال يمكن أن يغير من الواقع شيئًا؟

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022