النبي الواثق صلى الله عليه وسلم (3)
الحلقة الخامسة والثمانون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
- الرضا بالواقع والرضا بالقدر:
كثيرون جدًّا الذين غادروا هذه الحياة وفي قلوبهم حسرات وآلام، ومعاناة وأمنيات، وأشياء مكبوتة، وربما لا نعرف عنها شيئًا؛ لأنها ماتت بموتهم، بينما نعرف أولئك الذين تعاملوا مع واقع الحياة باتزان، وصبروا وصابروا، وواصلوا ووصلوا، وكل مَن سلك الطريق فإن الله تعالى يأخذ بيده ويوصله إلى ما يصبو إليه بإذنه عز وجل.
إذًا: فرق بين التسليم بالفعل الذي قد يكون فعلًا خاطئًا لا يجوز لنا أن نقبل به وقد يكون هذا الفعل كفرًا بالله وقد يكون عدوانًا على عباد الله، هذا من جانب.
ومن جانب آخر: ننظر إلى مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر الذي كثيرًا ما يظلم عند الناس ويفهم على غير وجهه، فيفهم بمعنى الاستسلام والتسليم للواقع.
لا، القضاء والقدر يعني مواجهة القدر بالقدر، كما كان عمر رضي الله عنه يقول: «نفر من قدر الله إلى قدر الله». أي: نواجه قدر المعصية بالطاعة.. نواجه قدر الظلم بالعدل والدعوة إليه.. نواجه قدر الاستعمار والاحتلال بقدر المدافعة، كما قال تعالى:﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 251]، فلا يصاب الإنسان بالجزع والهلع والانفعال المفرط، وبين قضية أن علينا جميعًا أن نسعى في مدافعته وإزالته.
-الهدوء يصنع الكثير:
ومن هنا نلاحظ معنًى جميلًا وعظيمًا نتلقاه من سيد الدعاة وإمام الهدى محمد بن عبد الله عليه صلوات الله، وهو أن الهدوء يصنع الكثير، وأن مجرد الضجيج والجلبة والانفعال لا يكفي، بل ينبغي أن نحول مشاعرنا إلى برنامج عملي، وبالتجربة فإن أولئك الذين يملكون برامج عملية للإصلاح، المنهمكين في عمل إيجابي في الحياة البشرية هم أكثر الناس هدوءًا؛ لأن العمل الذي يقومون به يورثهم الهدوء، ويشعرهم بأنهم يعملون، وأنهم منتجون، وأن هذه الأشياء الفاسدة التي تقع يقابلها أشياء كثيرة صحيحة تقع أيضًا، وبالتالي يكون في قلوبهم اطمئنان وسكينة، ولذلك جاء في القرآن الكريم: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: 4]، فالإيمان فعل يقابله السكينة؛ لأن الإنسان قام بعمل، وبالتالي حصل له الارتياح، بينما إذا كان الإنسان في موقف المتفرج فإن المشكلة تتفاقم، والمعاناة تزداد، وكأن لسان حاله يقول: لماذا الكل يعملون ويُفْسدون.. فيما هو ينظر ولا يعمل شيئًا.
إن هذا الإنسان قد يؤول به الأمر إلى اليأس والقنوط والقعود، بل قد ينساق مع هذه الأعمال التي يعتبرها سيئة؛ لأنه يئس منها، وأصبح ينظر إلى معاييره وأفكاره على أنها أخطاء، وربما يقوم بعمل يعتقد أنه سوف يعوضه عن القعود والتأخير الطويل، فيكون عملًا غير مثمر؛ لأنه يسعى إلى حرق المراحل وتجاوز المسافات.
إذًا: الهدوء في مواجهة الأزمات سواءً كانت أزمات فردية أو أزمات جماعية ضروري لضبط العقل والتفكير والنظر السليم للأمور، وهو لا يعني بحال من الأحوال التسليم للخطأ، بل هو أول خطوة لمواجهة هذا الخطأ والسعي في إصلاحه.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي