النبي الصابر صلى الله عليه وسلم(1)
الحلقة السادسة والثمانون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
- ألا تدعو لنا..؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم متوسدًا بردة في ظل الكعبة، فيأتيه أصحابه رضوان الله عليهم يشتكون ويتألمون.... ولكن ليس باللغة التي نسمعها اليوم: بلغ السيل الزُّبَى.. لم يعد للصبر مكان.. ليس في قوس الصبر منزع.. ليس بهذه اللغة؛ فالحياة إذا خلت من الصبر فلا معنى لها، والإيمان لا وجود له إلا بالصبر، فالصبر درس ينبغي أن يتلقاه الكل.
والصحابة رضوان الله عليهم عندما شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يفقدوا صبرهم كما يفقده كثير من الناس اليوم، وما قالوا: يا رسول الله، لم يعد لدينا قدرة على التحمل.
كل ما قالوه: يا رسول، أَلَا تستنصر لنا، أَلَا تدعو لنا. وكلمة (أَلَا تدعو) من العرض اللطيف، فهم لم يقولوا: يا رسول الله، ادعُ لنا.. استنصر لنا؛ لأن (ادعُ) و(استنصر) فعلا أمر، بينما عرض الصحابة رضي الله عنهم كان ألطف من ذلك بكثير، وهذا المعنى يعبر عما كان عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الأدب:
أولًا: في جنب الله سبحانه وتعالى، فهم لم يسخطوا قضاء الله وقدره، ولم يستعجلوا قدرهم، وإنما صبروا وتأنوا، واقتدوا بمَن قبلهم من أتباع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
ثانيًا: أدبهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث جاءوه يشتكون إليه، فقد كانت الآلام شديدة، ولم يكن الأمر هينًا بل وصل إلى حد القتل، فقد قتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قتل تحت التعذيب، ووصل الأمر إلى حد إكراههم على الكفر والردة كما وقع لجماعة منهم، ونزل قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ﴾ [النحل: 106].
كان الصحابة رضي الله عنهم يواجهون هذه الآلام القاسية الصعبة، وقصارى ما يفعلونه أنهم يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيتلطفون معه، في غاية الأدب والهدوء: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا.
استخدموا هذا الأسلوب؛ لأنهم يعلمون أن النصر بقدر، وأن كل شيء خلقه الله بقدر وما يؤخره إلا لأجل معلوم، فإن ما يقدم أو يؤخر هو لحكمة الله عز وجل، ولكل شيء أجل، ولكل أمة أجل، فاكتفوا أن يعبروا عن شعورهم البشري بهذه اللغة: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد جلس إظهارًا للاهتمام بهذا الموضوع، ثم قال لهم: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْـمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْـحَدِيدِ مَا دُونَ لَـحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلَّا الله وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي