النبي الصابر صلى الله عليه وسلم (2)
الحلقة السابعة والثمانون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
- من صور التراجع:
لقد ضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة بمَن قبلهم من المؤمنين، وأن هذا لم يصرفهم عن دينهم، وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم: احذروا أن يصدكم ما ترون عن دينكم، فإن هذا الأمر قد يصد الإنسان عن دينه بالردة.
إن بعض الناس قد يتخلَّى عن دينه أمام الضغوط المادية أو الجسدية أو النفسية، وهناك من قد لا يترك دين الإسلام لينتقل إلى دين آخر، ولكن يتخلى عن بعض شرائع دينه، وما ذلك إلا لأن الإنسان إذا فقد صبره فقد الكثير من دينه.
وكثير من الناس حينما يقع عليهم الأذى يندفع للانتقام وللانتصار، وهذا الانتصار ليس من الدين، بل هو انتصار للنفس البشرية، والشرع عندما أباح للإنسان أن ينتصر لنفسه ضبط ذلك الانتصار، فحرم عليه أن يظلم من ظلمه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».
مَن كذب عليك لا يجوز لك أن تكذب عليه، ومَن اعتدى على عرضك بغير حق لا يجوز لك أن تعتدي على عرضه، ومَن أشاع عنك قالة السوء لا يجوز لك أن تشيع عنه قالة السوء، ومَن ظلمك لا يجوز لك أن تظلمه، ومَن خانك لا يجوز لك أن تخونه، وهذا من أعظم قيم الإسلام وأخلاقياته الكريمة.
وحينما يقع الإنسان في بعض هذا الانتقام والانتصار للنفس بغير ما شرع الله يكون قد تخلى عن بعض قيم وشرائع الدين أيضًا.
ومن صور التراجع عن الدين أمام ضغوط الواقع الذي قد يعيشه الإنسان: أن الإنسان ربما يترك المجاهدة والإصلاح بسبب الضغوط التي يواجهها أو ضعف الاستجابة، مما يجعله يستسلم.
إن الصادق لا يمكن أن يُلقي بالراية، فما زالت عليه التبعة والمسؤولية، وهذا هو معنى وراثة الأنبياء والمرسلين، أن يسعى الإنسان في الإصلاح قدر المستطاع، فإن هذا الأمر جزء من الدين وليس أمرًا مكملًا أو ثانويًّا، فإن من أمر بالصلاة هو الذي أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وبالتالي ينبغي على الإنسان أن يحرص على أن يتمسك بدينه في مواجهة هذه الظروف، فلا يترك التدين بهذا الدين بسبب الضغوط التي يواجهها مهما كان الواقع، فليس الإنسان معذورًا في أن يتخلَّى عن دينه من أجل الحصول على مصلحة دنيوية، وإذا كان هناك بعض المنظمات والجمعيات التي تبتز الناس، وتستغل ظروفهم المادية.. ظروف الفقر والمرض، ظروف الجوع والبطالة، وتحاول أن تؤثر في قناعاتهم وفي عقلياتهم ونفسياتهم، فإن المؤمن يجب أن يكون عصيًّا على مثل هذا.
ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
لقد وصفهم بالاستعجال بمجرد أنهم قالوا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا. أحس النبي صلى الله عليه وسلم أن وراء هذا الطلب روح استطالت الأمر، وكأنها تستعجل خطوات النصر، لا تستعجل فلله تعالى أقدار، لكن ادعُ الله تعالى بقلب صادق وأنت مؤمن بأن ما يؤجله الله تعالى فهو خير، وما يعجله فهو خير، وما يكتبه الله تعالى في النهاية فهو خير، والله تعالى أغير منا على دينه، بل وأغير منا على أنفسنا، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي