السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

النبي الواثق صلى الله عليه وسلم (1)

الحلقة الثالثة والثمانون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022

- النصر القريب:

جاء في «صحيح البخاري» عن خَبَّاب بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا! ألا تدعو لنا. فقال: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْـحَدِيدِ مَا دُونَ لَـحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلَّا الله وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».

كثيرًا ما أقف عند هذا الحديث متعجبًا، ويطول عجبي من هذين الأمرين اللذين يبدوان أنهما متناقضان، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم جاءوا بقلوبٍ مكلومة مريرة، مجروحة متألمة يشتكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا. بينما الحديث نفسه يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوسدًا بردةً له في ظل الكعبة.

يا سبحان الله.. من أقوى من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرةً وإخلاصًا وحماسةً ورغبةً في نصرة الدين حتى إن ربه سبحانه يسليه ويعزيه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ [الكهف: 6]..﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل: 127].

ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يظهر عليه الهدوء في مواجهة الأزمات والمواقف الصعبة والحرجة.

- الهدوء في الأزمات:

هنا قضية عظيمة ينبغي أن نتعلمها من قدوتنا صلى الله عليه وسلم، وهي أن الغضب والانفعال والمشاعر السلبية والانفعالات المتوترة في مواجهة الأزمات لا تصنع شيئًا، سواء كان الأمر يتعلق بأزمة شخصية تمر بالإنسان كأزمة اقتصادية.. أو اجتماعية.. أو نفسية.. أو صحية، أو كان الأمر يتعلق بأزمة تتعلق بالأمة كلها.

من هنا ندرك أن التعامل بروحانية وهدوء ورضا مهم جدًّا، وهذا الرضا لا يعني التسليم بالواقع الفاسد، ولا الاستسلام له، لكنه يعني محافظة الإنسان على اتزانه وهدوئه وعقله في مواجهة هذه الأزمات؛ لأن الإنسان إذا فقد اتزانه واكتمال عقله لن يستطيع أن يفكر بالشكل الصحيح، ولذلك يقول العلماء: إن الغضب للعقل مثل الكسوف للشمس.

أرأيت هذه الشمس التي تغمر الكون بجمالها ونورها وإضاءتها وحرارتها المتزنة، إنها بمثابة العقل الذي يكشف للإنسان خفايا الأشياء، ويساعده على تصورها بشكل دقيق، فإذا عرض لها الكسوف أفقدها نورها أو جزءًا من نورها، وهكذا الغضب في مواجهة الأزمات يفقد الإنسان عقله واتزانه ونظره، فيتصرف بشكل غير صحيح، وتصدر منه أعمال أو أقوال ربما يندم عليها بعد لحظة فقط من زوال الغضب عنه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»؛ لأن القضاء حكم بين طرفين يتطلب حضور الذهن وصفاءه، والاستماع لهذا الطرف وذاك، فإذا كان الإنسان مغضبًا لم يستطع أن يحيط بالحجة بشكل دقيق.

إن الهدوء في مواجهة الأزمات أيًّا كانت أمر ضروري، ولا يعني الهدوء الرضا بالخطأ، ولكنه يعني أن ينظر الإنسان إلى هذه المشكلات والأزمات نظرًا متأنيًا.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022