الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

الإمام الشافعي ينبذ التعصب في الرأي

اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة: الثانية و الستون

محرم 1444ه/ أغسطس 2022م

إن التعصُّب للأقوال هو أكبر الأدلة عند مَن لا ينظرون في حجة المخالف بقدر ما يعبِّرون عن تعصبهم، وتمسكهم بالقول الذي قرع أسماعهم، وتشرَّبته عقولهم، كما أن الانحياز إلى أحد الاتجاهات أو المذاهب هو ما يعنيه ويعوِّل عليه الذي لا يتأمَّل في الأدلة.

أما الحياد، فهو ريْبِيَّةُ العالِم، فإن العالِم لا يميل لشيء ولا يأخذ بشيء إِلَّا بحجة وبرهان من الله عز وجل، فربما تكون هذه المسألة أو تلك عند غير العالِم مقطوعًا بها لا تحتاج إلى نظر ولا تأمُّل، ولكنها عند العالم قد تكون خطأً، أو تحتاج إلى نظر وتأمُّل، أو على أحسن الأحوال هي صواب يحتمل الخطأ، لذلك يقول حرملة: إن الشافعي كان يقول لهم: «كلُّ ما قلتُ لكم، فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتراه حقًّا، فلا تقبلوه؛ فإن العقولَ مضطرَّة إلى قبول الحق».

وهو هنا يعوِّل على تحريك عقول الطلبة لتتأمل وتنظر ولا تهمل ترددها أو تساؤلها، إذ ليست مهمة الشافعي الإمام هي صناعة أَتْباع يردِّدون ما يقول، بل إعداد قادة مستقلِّين، لهم فقه ونظر واستدلال.

إن كثيرًا من الطلبة إذا اختلفوا مع شخص تنقَّصوه وهجروه، وربما تمنَّوا هلاكه، أو أن تنزل به فضيحة في علمه أو دينه أو في دنياه، حتى يشمتوا به؛ لفرط ما تشرَّبت قلوبهم من ذلك، وهذا من سوء الرأي وضيق الأُفق وقلة الدين.

وقد بلغ الشافعي رحمه الله أن رجلًا كان يدعو عليه في سجوده، ويقول: اللهمَّ أمت الشافعيَّ، حتى لا يذهب علم مالك. فقال الشافعيُّ رحمه الله:

تَمَنَّى رِجالٌ أَنْ أَموتَ وَإِن أَمُتْ *** فَتِلكَ سَبيلٌ لَستُ فيها بِأَوحَدِ

فقلْ لِلذي يَبْغِي خِلافَ الذي مَضى *** تَهَيَّأْ لأخرى مِثلَها فكأنْ قَدِ

وَقدْ عَلِمُوا لو يَنفعُ العلمُ عندهمْ *** لئن مِتُّ ما الدَّاعي عَليَّ بِمُخلَدِ

ويقول الشافعي رحمه الله: «ما ضُحِك من خطأ رجلٍ، إِلَّا ثَبَت صوابُهُ في قلبه».

أي: أنه إذا شعر بأنك سخرتَ منه وازدريته وتنقصته، يتكوَّن في داخله تمسك بهذا الشيء الذي قاله، فيصرُّ عليه ويتثبَّت صوابه في قلبه.

هذا الذي ظهر لي من معنى هذه الكلمة العظيمة.

وتحتمل وجهًا آخر؛ أن الضاحك ذاته هو الذي استقر في قلبه أن ما قاله الآخر هو الحق، ولذا ضحك ساخرًا؛ لأنه لا يملك حجة ولا دليلًا.

كان الشافعي رحمه الله عالمًا خَبِيرًا في النفوس متجرِّدًا لله عز وجل، فهو يشير إلى الطرق والوسائل التي من شأنها أن تجعل الآخر يقبل الحق، كما يشير إلى الأسباب التي تجعله يرفض الحق، وينصرف عنه.

هذه القيم الأُصولية في الحوار تبرز على يدي رجل من أئمة الفكر الإسلامي الأَصِيل، يرسِّخ بقوله وبفعله ذلك، قبل أن يكون الحوار لغة عالمية تُطرح في المجامع والمنتديات.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 132-131

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://www.alsallabi.com/uploads/books/16527989340.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022