الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

(الصراع بين الحق والباطل)

اقتباسات من كتاب "علمني أبي..مع آدم من الطين إلى الطين" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة: الثامنة و العشرون

ربيع الأول 1444ه/ أكتوبر 2022م

مضى زمن كنا نسمع فيه وصف التوجه السياسي لشخص ما بأنه تَقَدُّمي أو رَجْعِي، وهذه صارت قديمة؛ لأنها حكم على الآخر بالنظر إلى موقفك أنت منه.

أو يميني ويساري، وهذه قسمة من زمن الثورة الفرنسية؛ حيث كان أهل الجانب الأيمن مؤيدين للملكية بخلاف الضفة الأخرى.

أيًّا ما كان فهي جهات أربع توعَّد الشيطان بني آدم بإتيانهم منها.

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.

﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ بالتسويف، والأمل الكاذب، والغفلة، والإحالة إلى المستقبل.

﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾؛ باستحضار الماضي وإشغالهم به، وتزيين ما وقع فيه من الغيِّ، والدعوة لتكراره، والتعلق بالأموال والأولاد، وكم من الناس يعوقهم الالتفات الدائم إلى الماضي وعثراته وأخطائه ومشكلاته عن الانطلاق والنجاح!

﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾؛ بالإعجاب بالنفس والعمل، والرِّياء، وتبغيض الطاعات إليهم، وتشجيعهم على استثقال الصلوات والخلوات والأذكار.

﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾؛ بالمعاصي والإغراء بها، وتحسينها وتزيينها.

ولذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي»

هذا التوعُّد قاله إبليس لربه انتقامًا من آدم، حيث أدرك أنه سيكون له ذرية تهيمن على الأرض وتخلف فيها، فهو وعيد بالثأر من الهزيمة التي حاقت به وبمجموعته!

ولعله لم يتوعَّد آدم شخصيًّا في هذا الموضع؛ لأن آدم قد تاب وأناب وتلقَّن الدرس جيدًا!

كان الوعيد للذرية:

﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾.

توعَّد أن يقود الذرية ويسيّرها حيث شاء، وكأنه يقود دابة ويضع اللِّجام في حنكها.

وهو تمثيل غريب من الشيطان في وعيده أن يتحكَّم بالبشر، وأن يتفنَّن في وسائل الإغراء والافتتان..

وأوضح ما يكون هذا في سيطرة العادات الشِّريرة على الإنسان، واستسلامه للإدمان على مشروب أو ممارسة أو انفعال يقود إلى تكرار الذنب والوقوع في شباكه وشراكه..

حتى ربما فقد الإنسان الرغبة والدافع الفطري للفعل، ولكنه يظل يمارسه بحكم العادة والحنين والشعور بأنه لا يزال في نفس مرحلة الشباب!.

المعركة صاخبة وشديدة، وتستخدم فيها الأسلحة المختلفة؛ الخفيفة، والثقيلة، والمتوسطة!

﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.

قال ابن عباس: (بِصَوْتِكَ): كل داعٍ إلى معصية.

ويدخل فيه الصوتان الأحمقان الفاجران:

صوت الشهوة والإغراء والإثارة والفتنة.

وصوت التسخُّط والصياح والاحتجاج على القضاء والقدر.

الصراع قائم ولا بد بين الخير والشر حتى بين الناس بعضهم وبعض.

والمقاومة تكون منذ اللحظة الأولى، منذ الخاطرة والنية والتردد، والله مع العبد ما لم يعجز أو يستسلم، فمَن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومَن هَمَّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة!

الصراع بين البشر ليس هو الأصل المشروع، بل المشروع التكامل، والتعارف، والتعاون، والتواد، والتراحم، والتعاطف، والدفع بالتي هي أحسن.. وما شاكل هذا من المعاني الواردة بنصوصها في القرآن والسُّنة، وهو المطلوب من العباد.

والصراع هو نتيجة البغي والعدوان وطاعة الشيطان، حتى إنه يكون بين الزوجين عداوة أو بين الأولاد والآباء: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.

البشر فقط هم الذين يقتل بعضهم بعضًا بخلاف معظم الذئاب والأُسود والوحوش من جنسٍ واحد!

وَلَيْسَ الذِّئْبُ يَأكُلُ لَحْمَ ذِئْبٍ *** وَيَأكُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا عَيَانَا

الإنسان وحده مَن يُحرِّض الوحوش والثيران والإبل والدِّيَكَة؛ لتتناطح وتتقاتل وتهلك!

وَمُرَادُ النُّفُوسِ أَصْغَرُ مِن أَنْ *** نَتَعَادَى فِيهِ وَأَنْ نَتَفَانَى

صناعة المعارك وإدمان الغارات يمنح الإنسان شعورًا مؤقَّتًا بالرضا، ويعطيه مكانةً متميِّزة لدى مجموعته أو طائفته، ولكنه يحرمه من العمل والإنجاز، ويجعله رهنًا لردود الأفعال، ويلغي شخصيته، ويجور على إنسانيته..

والحق ركنان بنَّاءٌ وهدَّامُ.

والهدم لا يراد لذاته إنما يراد للتشييد والبناء.

تعلَّمت من تجربتي الصغيرة أن أفضل طريقة للفوز بالحرب هو أَلَّا أخوضها.

ومن حِكَم العرب: أَبْقِ للصُّلْح موضعًا.

وتعلَّمت أن الصبر على أذى خصم أحمد عاقبةً وأروح للنفس وأبرأ للذمة من الدخول معه في عراكٍ لا طائل من ورائه.

ولو كانت النجاحات بالخصومات لكنا اليوم فوق أهل الأرض جميعًا!

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب علمني أبي للشيخ سلمان العودة، صص 163-167

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://alsallabi.com/books/view/777


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022