(في مسألة خلق أُمنا حواء..)
اقتباسات من كتاب "علمني أبي..مع آدم من الطين إلى الطين" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الثلاثون
ربيع الأول 1444ه/ أكتوبر 2022م
دأب الشيخ الذي يسكن جوارنا على مناداة زوجته كلما مرَّت بهذا الوسم الغريب!
وحين عاتبه أحدهم احتج بحديث خلق المرأة من ضِلَع، فردَّ عليه آخر: وهل ترضي أن نناديك بالتراب؟
خلق الله آدم فاستوحش لانفراده وهو قد فتق لسانه بالكلام فيحتاج إلى من يرد له الصوت، فخلق حواء؛ لتسكن إليه ويسكن إليها.
آدم وحواء زوجان قبل أن يكونا أبوين، الزوجية قبل الأبوة.
لسان حال حواء يقول: خلقني الله منك وأنت نائم.. أفلا تريد أن تستعيدني إليك وأنت يقظان!
ولسان حال آدم يقول: أحن إليك حنين الأصل لفرعه.
* كيف خُلِقَت حواء؟ في العهد القديم والروايات الإسرائيلية أنها خُلقت من ضِلَع آدم الأيسر.
مسئولية هذا الحرف ليست على صريح القرآن ولا صحيح السنة، ولكن في القرآن: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾.
ظاهر هذه الآية أن حواء خُلقت من آدم، لكن دون تعيين الموضع.
في الحديث: «إِنَّ الْـمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ»، وهذا يحتمل أن تكون خُلقت من ضِلَع آدم، أو تكون تلك إشارة إلى طبيعة المرأة وفطرتها وروحها وعاطفتها، كما في قوله: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾، ولذا قال بعده: «وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا».
وقيل خُلِقَت خلقًا مستقلًا من الطين كآدم.
بعد طول تردد في المسألة صرت أميل إلى أنها خلقت من ضِلَع آدم، فهو جارٍ على ظاهر المعنى، وليس فيه تنقيص للأنثى، فهي خُلِقَت من شيء حيٍّ متقدِّم على التراب والطين، وهو العظم اللين في جنب آدم، والذي هو بطبيعته مائل ليكون على استدارة الجنب وهذا من كمال الخلقة، ولولا اعوجاجه لم يكن ضلعًا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: خُلقت حواء من ضِلَع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم.
وعن مجاهد مثله، في «المبتدأ» لابن إسحاق.
* كان آدم نائمًا يوم خُلقت واسْتُلَّت منه، وكأنها عملية استنساخ، ويبدو- والله أعلم- أنها خُلقت من نُخاع العظم، فلكل ضِلَع نُخاع، والإعجاز هنا استنساخ الأنثى من الذكر بعد أن كانت كامنة فيه لتتمحض رجولته وتستقل أنوثتها!
وكأن نومه يشبه التخدير لإتمام عملية الاستلال، ولله الحكمة البالغة.
تفصيلات الحقائق الماضية لا يلزم أن تمتلك دليلًا قطعيًّا يذعن له الناس جميعًا، والخلاف فيها سائغ، وربما كان دليل الوجدان العاطفي القلبي الروحي لا يقل أهمية عن الدليل العقلي المنطقي.
الحنين المتبادل والاحتواء والحب يوحي بأن الزواج السعيد يمثِّل حالة عثور الشطر على شطره الآخر، وكما هو استكمال للدين فهو استكمال للشخصية.
مؤسسة الزوجية عريقة عراقة آدم وحواء، ولا بديل عنها شرعًا ولا فطرة، ويتحتم على كل طرف السعي في ترميم العلاقة وحمايتها.
* آدم خُلِقَ من أديم الأرض، وتميَّز بالسمرة والصلابة.
وحوَّاء خُلِقَت من حَيٍّ، فالحياة فيها أكثر أصالة، واسمها يدل على الاحتواء، وهي روح الحنان والحب الذي تتفوَّق فيه المرأة، كما يدل على الجمال، فالحوَّة هي: سمرة الشفتين، وهو ضرب من الحسن تغنَّى به الشعراء.
تسميها العرب حوَّاء، وهي كذلك في الإصحاح الثالث، وبالعبرية: خمواه، وبالإيطالية: إيا، وبالفرنسية: أي، ويبدو أن الأصل واحد.
* خلقها الله من آدم ثم خاطبها خطابًا مستقلًا: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾.
خطاب الله المباشر لها تشريف وتكليف، وترسيم لمسئوليتها وذمتها المستقلة، وأنها ليست مجرد تابع للأب أو الزوج.
القاعدة في أوامر الشرع ونواهيه أنها للذكر والأنثى سواءً، إلا ما دل دليل على تخصيصه بأحدهما.
* الخوض في تفضيل أحد الجنسين على الآخر لا لزوم له، بل بعضهم من بعض، ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، وأوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفتى بأمِّه ثلاثًا وبأبيه واحدة، والتفضيل الخاص للأم لا ينفي التفضيل العام للأب.
الخطاب واحد، والعقاب واحد، والجزاء واحد، والشريعة واحدة، وليس الضعف واللِّين الذي تتميَّز به المرأة مدعاة لفضيلة مطلقة للرجل، فهاهم الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء، والضعفاء فيها أكثر من الأقوياء.
للرجل أخلاق وميادين، وللمرأة مثلها، وإذا كان الرجل يمتاز بالصبر على الشدائد وتبعات الحياة والعمل، فهو لا يطيق صبر المرأة على الحمل والولادة والحضانة.
الرجل الشديد يتبرم من حمل طفل لدقائق، ويعجز عن مشاهدة آلام المخاض فيمَن يحب، ويضيق بصراخ الأطفال عند نومه..
ثمَّ رجال يُضرب المثل بوفائهم لآبائهم وأمهاتهم، وثمَّ نساء يُضرب بهن المثل في الوفاء لأزواج أحياء أو غيَّاب أو أموات.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب علمني أبي للشيخ سلمان العودة، صص 176-173
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: