الأربعاء

1446-04-13

|

2024-10-16

الحلقة الثامنة والسبعون (78)

الخلاف في الأنفال في معركة بدر

عن عبادةَ بن الصَّامت رضي الله عنه قال: خرجنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فشهدت معه بدراً، فالتقى النَّاس، فهزم الله - تبارك وتعالى - العدوَّ، فانطَلَقَتْ طائفةٌ في آثارهم يَهْزِمون ويقتلون، وأكبَّت طائفةٌ على العسكر يَحْوُونه، ويجمعونه، وأحدقت طائفةٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لا يصيب العدوُّ منه غِرَّةً؛ حتَّى إذا كان اللَّيل، وفَاءَ النَّاسُ بعضُهم إلى بعضٍ.

قال الَّذين جمعوا الغنائم: نحن حَوَيَنْاها، وجمعناها؛ فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ، وقال الَّذين خرجوا في طلب العدوِّ: لستم بأحقَّ بها منَّا؛ نحن نَفَيْنا عنها العدوَّ، وهزمناهم، وقال الَّذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : لستم بأحقَّ بها مِنَّا؛ نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخِفنا أن يصيب العدوُّ منه غرَّةً، واشتغلنا به؛ فنزلت: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1]؛ فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فُوَاقٍ بين المسلمين [أحمد (5/324)].

وفي روايةٍ: قال عبادة بن الصَّامت عن الأنفال حين سُئِلَ عن سورة الأنفال: فينا معشر أصحـاب بدرٍ نزلت حين اختلفنـا في النَّفل، وساءت فيـه أخلاقُنا، فانتزعه الله - تبـارك وتعالى - من أيدينا، فجعلـه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمـه رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا عن بواءٍ. يقول: على السَّواء. [أحمد (5/322)].

لقد خلَّد الله - سبحانه وتعالى - ذكرى غزوة بدرٍ في سورة الأنفال، وجاءت مفصلةً عن أحداثها وأسبابها، ونتائجها، وتعرَّضت الآيات الكريمة لعلاج النَّفس البشريَّة، وتربيتها على معاني الإيمان العميق، والتَّكوين الدَّقيق، فبدأت السُّورة بتبيان حكم أثـرٍ من آثار القتال، وهو الغنائـم، فبيَّنت: أنَّ هـذه الغنائـم لله، والرَّسول فالله هو مالـك كلِّ شيءٍ، ورسوله صلى الله عليه وسلم هو خليفتهُ، ثمَّ أمر الله المؤمنين ثلاثة أوامر:

بالتَّقوى، وإصلاح ذات البين، والطَّاعة لله والرَّسول صلى الله عليه وسلم، وهي أوامر مهمَّة جدّاً في موضوع الجهاد؛ فالجهاد إذا لم ينشأ عن تقوى فليس جهاداً، والجهاد يحتاج إلى وحدة صفٍّ، ومن ثَمَّ فلابدَّ من إصلاح ذات البين، والانضباط هو الأساس في الجهاد؛ إذ لا جهاد بلا انضباط، ثمَّ بيَّن الله - عزَّ وجلَّ -: أنَّ الطَّاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم علامةُ الإيمان.

وحدَّد الله - عزَّ وجلَّ - صفات المؤمنين الحقيقيين، وهذا الوصف، والتَّحديد مهمَّان في موضوع الجهاد الإسلاميِّ؛ لأنَّ الإيمان الحقيقي هو الَّذي يقوم به الجهاد الإسلاميُّ. لقد حدَّد الله - عزَّ وجلَّ - صفات المؤمنين؛ بأنَّهم إذا ذكر الله؛ فزعت قلوبهم، وخافت، وفرقت، وإذا قرئ عليهم القرآن ازداد إيمانهم، ونما.

والصِّفة الثَّالثة هي: التوكُّل على الله، فلا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إيَّاه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون: أنَّ (ما شاء الله؛ كان، وما لم يشأ؛ لم يكن)، وأنَّه المتصرِّف في الخلق وحده لا شريك له، ولا معقِّب لحكمه، وهو سريع الحساب.

والصِّفة الرَّابعة: إقامة الصَّلاة، والمحافظة على مواقيتها، ووضوئها، وركوعها، وسجودها، ومن ذلك إسباغ الطَّهور فيها، وتمام ركوعها، وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتشهُّد، والصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .

والصفة الخامسة: الإنفاق ممَّا رزقهم الله، وذلك يشمل إخراج الزَّكاة، وسائر الحقوق للعباد من واجبٍ، ومستحبٍّ، والخلق كلُّهم عباد الله؛ فأحبُّهم إليه أنفعهم لخلقه، ثمَّ بيَّن الله - عزَّ وجلَّ - أنَّ المتَّصفين بهذه الصِّفات هم المؤمنون حقَّ الإيمان، وأنَّ لهم عند الله منازلَ، ومقامات، ودرجات في الجنَّات، وأنَّ الله يغفر لهم السَّيِّئات، ويشكر الحسنات، وبهذا تنتهي مقدِّمة السُّورة بعد أن رفعت الهمم لكلِّ لوازم الجهاد، ونَفَتْ كلَّ عوامل الخذلان؛ من اختلافٍ على غنائم، أو خلافٍ بسبب شيءٍ، داعيةً إلى الطَّاعة، والارتفاع إلى منازل الإيمان الكامل.

قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *  الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *  أُوْلَئِكَ هُمُ  الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 1 4].

يقول الأستاذ محمَّد أمين المصري: لم تذكر الآيات شيئاً من أعمال المؤمنين في بدرٍ، ولكن ذكرت عتاباً أليماً موجعاً، يَحْمِلُ المؤمنين على الرُّجوع إلى أنفسهم، والاستحياء من ربِّهم، وهناك نقاطٌ أرسلت الآيات النُّقاط عليها، وبيَّنت نواحي الضَّعف فيه بياناً جليّاً قويّاً بتصوير ما في النفوس وصفاً دقيقاً رائعاً، تشاهد العين فيه الحركات والخلجات.

وكلُّ ذلك من شأنه أن ينبه ضمير المؤمن؛ ليلمس المسافة بينه وبين درجات الإيمان؛ الَّتي يهفو قلبُه للوصول إليها، ولقد كانت الآيات من تربية الحكيم العليم، ويشعر الذَّوق السَّليم هاهنا روعة الأسلوب في عرض العتاب بغير عتاب؛ ولكنَّه تصوير مافي النُّفوس تصويراً يوقن معه العادي من النَّاس: أنَّه ما كان لمؤمنٍ صحيح الإيمان أن يتَّصف بها، ولذلك اقترنت الآيات بتقديم خصائص الإيمان العالية، وميِّزاته الرَّفيعة، الَّتي تصوِّر الفجوة البعيدة بين المؤمن وبين أيِّ إسفاف: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *  الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *  أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 2 - 4].

ما ذكرت الآيات عتاباً، ولكنَّها ذكرت واقعاً، وكان ذكر الواقع أبلغ من كلِّ عتـاب، قال تعالى: وفحوى الخطـاب: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ﴾ كان لهم أن يسألوا هذا السُّؤال، وقد بيَّن - سبحانه وتعالى - حقيقة خروجهم من المدينة، قال تعالى: وهذا وصفٌ بالغ الغاية في تصوير ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ﴾، والرُّعب، صورة أناسٍ يساقون إلى الموت سوقاً لا مفرَّ منه، وهم يَرَوْن الموت بأمِّ أعينهم؛ وقال تعالى: وهذا تصويرٌ لضعفٍ في النُّفوس.... إلى أن يقول: دفعت الآيات الكريمة عن المؤمنين أيَّ شعور ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾، وصرفت عن أنفسهم كلَّ معنىً من معاني الغرور، وبسطت أمامهم نفوسهم، أو نفوس فريقٍ منهم، وما بينها وبين الإيمان الصَّحيح من درجاتٍ، وإذا جاء ذكر الثَّناء مصوَّراً بصورة المنِّ والفضل بما أنعم الله ليس ثناءً مستقلاً، الثناء عليهم: أنَّ الله منَّ عليهم، فاستجاب دعاءهم، ونزَّل عليهم الماء، ليطهِّرهم، وأنزل الملائكة؛ لتثبيتهم، وجمع بينهم وبين عدوِّهم لأمرٍ كبير دبَّره الله، وقدَّره.

بدأت السُّورة بموضوع الأنفال، واختلافهم في قسمتها، وسؤالهم عنها، فساقت في ذلك أربع آياتٍ عالجت بها نفوس المؤمنين، وطهَّرتها من الاختلاف الَّذي ينشأ عن حبِّ المال، والتَّطلُّع إلى المادة.

ولأهمِّيَّة هذا الموضوع في حياة المؤمنين بدأت به السُّورة - وإنْ كان اختلافهم في قسمة الأنفال متأخِّراً في الوجود عن اختلافهم في الخروج إلى بدرٍ، وقتال الأعداء - ومن سنَّة الله في كتابه: أنَّه في ذكر القصص والواقع لا يعرض لها مُرَتَّبةً حسب وقوعها.

﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾: وأوَّل الطَّاعة هنا طاعته في حكمه الَّذي قضاه في الأنفال، فقد خرجت من أن تكون لأحدٍ من الغزاة على الإطلاق، وارتدَّت ملكيتها ابتداءً لله، والرَّسول صلى الله عليه وسلم، فانتهى حقُّ التَّصرُّف فيها إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فما على الذين امنوا إلا أن يستسلموا فيها لحكم الله، وقَسْم رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبةً قلوبُهم، راضيةً نفوسُهم، وإلا أن يصلحوا علائقهم، ومشاعرهم، ويصفُّوا قلوبهم بعضهم لبعضٍ.

وهذا العرض الرَّبَّانيُّ يؤكِّد حقيقةً أكبر من النَّصر على المشركين، يؤكِّد: أنَّ صلاح ذات البين، والانتصار الحقيقيَّ على مسارب النُّفوس، ومشارب القلوب هو الأكبر في ميزان الله، وهو الأعظم في ميزان الله، ولا جدوى من نصرٍ يعقبه صراعٌ في الصَّفِّ واختلافٌ في القلوب.

وتبيِّن الآيات: أنَّ قضيَّة التَّقوى، والإيمان، تدخل في شؤون حياة المسلم كافَّةً، وبها ينبع تحرُّكه في الحياة، وجهاده لإعلاء كلمة الله تعالى.

لقد استجاب الصَّحابة الكرام رضي الله عنهم لهذا التَّوجيه الرَّبانيِّ، ونزلت الآيات تبيِّن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يتصرَّف في الأنفال.

بعد أن أصبحت الغنائم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بيَّن المولى - عزَّ وجلَّ - كيف توزَّع هذه الغنائم.

قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].

وهذا بعدما طَهُرَتْ قلوبهم من الأخلاط، وأخلصت إلى علاَّم الغيوب في الطَّاعة، وتمثَّلت الآيات، فتحقَّقت بمعنى العبودية الخالصة لله، وهذا الحكم صريحٌ في أنَّ أربعة أخماس ما غنموه مقسومٌ بينهم، والخمس لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الخمس نفسه مردودٌ فيهم أيضاً، وموزَّع على الجهات المذكورة - كما ثبت بالسُّنَّة -. إنَّ التَّوجيه التَّربويَّ في إرجاء إنزال جواب السُّؤال عن الغنائم، يشير إلى أنَّ الأحكام الشَّرعيَّة ينبغي أن يهيَّأ لها الجوُّ النَّفسيُّ الرُّوحيُّ المناسب؛ لتحتلَّ مكانها اللائق في العقل، والضَّمير، فتثبت، وتتمكَّن،

وتؤتي أطيب النتائج؛ إذ يتجلَّى فيها أكمل الحلول، وهكذا صرف المولى - جلَّ شأنُه - عباده المسلمين عن التعلُّق بالغير أوَّلاً، وبالغنائم ثانياً؛ ليكونوا له من المخلصين الجديرين بنصره، وإتمام نعمته، فلـمَّا تفرَّغوا للخالق، وأخلصوا في الجهاد؛ أكرمهم بالنَّصر من لدنه، وأسبغ عليهم من فضله بأكثر ممَّا كانوا يودُّون، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر في ثلاثمئة وخمسة عشر رجلاً من أصحابه، فلما انتهى إليها قال: «اللهم إنهم جياع فأشبعهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكْسُهُم» ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا، وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتَسَوْا وشبعوا. [أبو داود (2747)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/57)، والحاكم (2/132 - 133، 145)].

ومن عدل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في تقسيم الغنائم، إعطاؤه من هذه الغنيمة مَنْ تخلَّف بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمهامٍ أَوْكَلَها إليهم، فضرب لهم بسهمهم من الغنيمة، وبأجرهم، فكانوا كمن حضرها، فكان صلى الله عليه وسلم يراعي ظروف الجنود؛ الَّتي تمنعهم من المشاركة في القتال؛ لأنَّ الله تعالى لم يكلِّف عباده شيئاً فوق طاقتهم، قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].

ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلِّف المسلمين فوق طاقتهم، سواءٌ أكان ذلك في السِّلم، أم الحرب، وفي غزوة بدرٍ أعفى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعض الصَّحابة؛ لأن ظروفهم الأسرية تتطلَّب منهم القيام عليها، ورعايتها، فقد أعفى عثمان بن عفَّان رضي الله عنه من الخروج يوم بدرٍ؛ لأنَّ زوجته رقيَّة كانت مريضةً، وبحاجةٍ إلى من يرعى شؤونها، روى البخاريُّ في صحيحه: أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبر عن سبب تغيُّب عثمان رضي الله عنه في غزوة بدر، فقال رضي الله عنه: وأمَّا تَغَيُّبُهُ عن بدرٍ، فإنَّه كانت تحته بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضةً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ لك أجرَ رجلٍ ممَّن شهد بدراً، وسَهْمَهُ» [البخاري (3699)].

وأمر صلى الله عليه وسلم أبا أمامة بالبقاء عند أمِّه؛ حيث كانت مريضةً، وهي بحاجة إليه، فعن أبي أمامة بن ثعلبة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالخروج إلى بدرٍ، وأجمع الخروج معه، فقال له خاله أبو بردة بن نيَّار: أقِمْ على أمِّك يابن أختي! فقال له أبو أمامة: بل أنت فأقم على أختك. فذكر ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأمر أبا أمامة بالمقام على أمِّه، وخرج بأبي بردة، فقدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقد توفِّيت فصلَّى عليها. [الطبراني في الكبير (792)، والهيثمي في مجمع الزوائد (3/31 32)].

إنَّ هذه الأخلاق الرَّفيعة، ومراعـاة شعـور الجنود، وأحوالهم العائليَّة تولِّد قـوَّة ترابطٍ بين القيادة والجنود، وتدخل تحت مفهوم فقه التَّمكين، وقد مارسه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في أعلى صوره.

ومن الصَّحابة الَّذين كانت لهم مهمَّاتٌ خاصَّةٌ، أو أُصيبوا أثناء الطَّريق، فردَّهم الرَّسول صلى الله عليه وسلم :

1 - أبو لبابة: استخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة.

2 - عاصم بن عديٍّ: أرسله صلى الله عليه وسلم في مهمَّة لأهل العالية في المدينة.

3 - الحارث بن حاطب: أرسله صلى الله عليه وسلم في مهمَّةٍ إلى بني عمرو بن عوف.

4 - الحارث بن الصِّمَّة: وقع أثناء الطَّريق فكسر، فرُدَّ.

5 - خوَّات بن جُبير: أصابه في الطَّريق حجرٌ في ساقه، فردَّه من الصفراء.

وكذلك أعطى لورثة الشُّهداء، وذويهم نصيبهم من الغنائم، وبذلك كان للإسلام السَّبق في تكريم الشُّهداء، ورعاية أبنائهم، وأسرهم من قرابة أربعة عشر قرناً.

 

يمكن النظر في كتاب السِّيرة النَّبويّة عرض وقائع وتحليل أحداث

                        على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC-169.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022