من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
(أهم صفات عمر بن عبد العزيز)
الحلقة: 159
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
رجب 1442 ه/ فبراير 2021
إن شخصية عمر بن عبد العزيز تعتبر شخصية قيادية جذابة، وقد اتصف رضي الله عنه بصفات القائد الرباني، ومن أهم هذه الصفات: إيمانه الراسخ بالله وعظمته، وإيمانه بالمصير والمال، وخوفه من الله تعالى، والعلم الغزير، والثقة بالله، والقدوة، والصدق، والكفاءة والشجاعة، والمروءة والزهد، وحب التضحية، والتواضع، وقبول النصيحة، والحلم والصبر، وعلو الهمة، والحزم، والإدارة القوية، والعدل، والقدرة على حل المشكلات، وقدرته على التخطيط والتوجيه والتنظيم والمراقبة، وغير ذلك من الصفات.
وبسبب ما أودع الله فيه من الصفات الربانية استطاع أن يقوم بمشروعه الإصلاحي ويجدد كثيراً من معالم الخلافة الراشدة التي اندثرت أمام زحف الملك العضوض، واستطاع أن يتغلب على العوائق في الطريق، وتوجت جهوده الفذة بنتائج كبيرة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة وأصبح منهج عمر بن عبد العزيز الإصلاحي التجديدي مناراً للعاملين على مجد الإسلام، وقد ترسم نور الدين زنكي خطوات عمر بن عبد العزيز في عهده، فحقق نجاحاً كبيراً للأمة في صراعها مع الصليبيين، وكان الفضل لله ثم الشيخ أبي حفص عمر محمد الخضر المتوفى عام 570 هـ والذي كان أحد شيوخ نور الدين زنكي؛ حيث كتب لنور الدين كتابه الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز لكي يسير عليها نور الدين زنكي في خطواته وجهاده.
وإن من أهم الصفات التي تجسدت في شخصية عمر بن عبد العزيز؛ هي:
1 ـ شدة خوفه من الله تعالى:
كانت ميزته الكبرى والسمة التي اتسم بها ودافعه إلى كل ذلك هو إيمانه القوي بالآخرة وخشية الله والشوق إلى الجنة، وليس لغير هذا الإيمان القوي الذي امتاز به عمر بن عبد العزيز أن يحفظ إنساناً في مثل شباب عمر بن عبد العزيز، وقوته وحريته وسلطانه ـ من إغراءات مادية قاهرة ـ ومن تسويلات الشيطان، والنفس المغرية، وتفرض عليه المحاسبة الدقيقة للنفس، والاستقامة على طريق الحق ، فقد كان مشتاقاً إلى الجنة مؤثراً الآخرة على الدنيا، مؤمناً بقوله تعالى: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخرة هِيَ دَارُ الْقَرَارِ *} [غافر: 39] فأدرك عمر بفطرته السليمة وعقيدته الصحيحة ، أن آخرة المسلم أولى باهتمامه من دنياه، يقول عمر في كتاب له إلى يزيد بن المهلب: .. لو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج، واعتقال أموال، كان في الذي أعطاني من ذلك، ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه، ولكنِّي أخاف ـ فيما ابتليت به ـ حساباً شديداً، ومسألة عظيمة، إلا ما عافى الله ورحم .
كما كان عمر شديد الخوف من الله تعالى، تقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك: والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكن والله ما رأيت أحداً أخوف لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه، فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف، حتى نقول: ليصبحَنَّ الناس ولا خليفة لهم ، وقال مكحول: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز ، ولشدة خوفه من الله، كان غزير الدمع وسريعه، فقد: دخل عليه رجل وبين يديه كانون فيه نار، فقل: عظني. قال: يا أمير المؤمنين ما ينفعك من دخل الجنة، إذا دخلت أنت النار، وما يضرّك من دخل النار، إذا دخلت أنت الجنة، قال: فبكى عمرحتى طفئ الكانون الذي بين يديه من دموعه، وقد كان جلّ خوفه ـ رحمه الله ـ من يوم القيامة، فيدعو الله، ويقول: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئاً دون القيامة، فلا تؤمن خوفي ، ذلك اليوم الذي أحدث تغيراً جذرياً في مجرى حياته، ذلك اليوم الذي يقول عنه عمر: «..لقد عنيتم بأمر، لو عنيت به النجوم لانكدرت، ولو عنيت به الجبال لذابت، ولو عنيت به الأرض لتشققت، أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة، وأنكم صائرون إلى أحداهما» .
نعم إن الخوف من الله، والرؤية الواضحة للحياة، والفناء والخلود، والإحساس بيوم الحساب، والانفعال بمشاهد الجنة والنار، هي التي تضع المسؤولين، وتجعلهم يرتعدون خوفاً إن هم انحرفوا قيد شعرة عما يريد الله ، فالوعي والإحساس بيوم الحساب، وغيرها من الصفات الاعتقادية، تجعل القائد لا يخطو خطوة، ولا يقول قولاً، ولا يفعل فعلاً، إلا ربط ذلك بما يرضي الله عز وجل، وتلك الصفات والجوانب، لم تعط حقها من البحث والتحري في الدراسات القيادية الحديثة وهي أساس النجاح في القيادة، وأهم الصفات القيادية التي ينبغي للقائد أن يتحلى بها، وإن من أهم صفات عمر بن عبد العزيز، الإيمان الراسخ بالله واليوم الاخر، وشدة خوفه من الله، والوجل من يوم القيامة .
2 ـ زهده:
فهم عمر بن عبد العزيز من خلال معايشته للقران الكريم ودراسته لهدي النبي الأمين ﷺ ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وإنها مزرعة للاخرة، ولذلك تحرّر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها، وخضع وانقاد وأسلم لربه ظاهراً وباطناً، وكان وصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا، ومن هذه الحقائق:
أ ـ اليقين التام بأننا: في هذه الدنيا أشبه بالغرباء، أو عابري سبيل، كما قال النبي ﷺ: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .
ب ـ وأن هـذه الدنيـا: لا وزن لهـا ولا قيمـة عنـد رب العـزة إلا ما كـان منها طاعـة لله ـ تبارك وتعالى ـ؛ إذ يقول النبي ﷺ: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء».
جـ وأن عمرها قد قارب على الانتهاء: إذ يقول النبي ﷺ: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، وأشار بالسبابة والوسطى .
د ـ وأن الآخرة هي الباقية وهي دار القرار، فلهذه الأمور وغيرها زهد عمر بن عبد العزيز في الدنيا.
وأول الزهد الزهد في الحرام، ثم الزهد في المباح، وأعلى مراتب الزهد أن تزهد في الفضول وكل ما لك عنه غنى، وكان زهد عمر بن عبد العزيز مبني على الكتاب والسنة، ولذلك ترك كل أمر لا ينفعه في اخرته، فلم يفرح بموجود وهي الخلافة، ولم يحزن على مفقود من أمور الدنيـا، وقد ترك ما هو قادر على تحصيله من متاع الدنيا انشغالاً بما هو خير في الآخرة، ورغبة في ما عند الله عز وجل ، قال مالك بن دينار: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها .
قال ابن عبد الحكم: ولما ولي عمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا، ورفض ما كان فيه وترك ألوان الطعام، فكان إذا صُنع له طعام هيأى على شيء وغطي، حتى إذا دخل اجتذبه فأكل، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه ويقيم صلبه، وكانت نفقته وعياله في اليوم كما في الأثر، فعن سالم بن زياد: كان عمر ينفق على أهله في غدائه وعشائه كل يوم درهمين ، وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها، وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين ، وهكذا فعل بالجواري والعبيد؛ حيث رد الجواري إلى أصحابهن إن كن من اللاتي أخذن بغير حق، ووزع العبيد؛ على العميان وذوي العاهات، وحارب كل مظاهر الترف والبذخ، والإسراف .
وأما ما قيل عن زهده بالنسبة للنكاح، فقد روى ابن عبد الحكم فقال: وقالت فاطمة زوجته: ما اغتسل من جنابة منذ ولي حتى لقي الله غير ثلاث مرات، ويقال: ما اغتسل من جنابة حتى مات، فهذا ينافي ما اشتهر به عمر بن عبد العزيز من حبه الشديد لهدي الرسول ﷺ، فيستبعد منه رحمه الله أن يترك السنة، وأن يقع في ظلم زوجاته وحقوقهن، فإن ترك الزواج وتحريم ذلك لا علاقة له بالزهد الإسلامي الذي بينه رسولنا ﷺ وهو دخيل على المجتمع المسلم، وهو ما تفتخر به بعض الفرق المنحرفة عن الإسلام وتدعي أنه من الزهد الإسلامي، ولهم في ذلك حكايات لا يشك من تأملها أنها لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولهم في ذلك وصايا عجيبة وتوجيهات غريبة، فمن أقوالهم:
ـ من ترك النساء والطعام؛ فلابد له من ظهور كرامة.
ـ من تزوج فقد أدخل الدنيا بيته، فاحذروا من التزويج.
ـ لا يبلغ الرجل إلى منازل الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، وأولاده كأنهم أيتام، ويأوي إلى منازل الكلام.
ـ من تعود أفخاذ النساء لا يفلح.
ـ من تزوج فقد ركن إلى الدنيا . إلى غير ذلك من العجائب والغرائب.
وهذا المفهوم يخالف الإسلام دين التوسط والاعتدال، فقد قال رسول الله ﷺ: «فمن رغب عن سنتي فليس مني».
وجملة القول: إن زهد عمر بن عبد العزيز كان مقيداً بالكتاب والسنة، وإن كثيراً مما نسب إليه في هذا الباب لا يصح لمخالفته هدي النبي ﷺ، ومن زهد عمر بن عبد العزيز في جمع المال، فقد كان على النقيض ممن يلي منصباً في وقتنا الحاضر؛ فقد كانت غلته حين استخلف أربعين ألف دينار، ثم أصبحت حين توفي أربعمئة دينار، ولو بقي لنقصت ، حيث لم يرتزق رحمه الله من بيت المسلمين شيئاً ، فقد كان رحمه الله من زهاد زمانه إن لم يك أزهدهم، فكان يقول: إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، تسر قليلاً وتحزن طويلاً .
وأخباره في الزهد كثيرة؛ ذكر منها الشيخ أبو حفص عمر بن محمد الخضر المعروف بالملاء حوالي ثمانية وعشرين أثراً ، لقد وصل عمر بن عبد العزيز إلى مرحلة متقدمة في الزهد والتحلي بصفات الزاهدين، وذلك ما لا يستطيع الوصول إليه أصحاب العيش في الظروف المادية في وقتنا الحاضر، الذي طغت فيه المادة على كل شيء في الحياة، وأصبح الناس يقيسون بعضهم البعض بما يملك من الدنيا وحطامها، حسبنا من قادة وزعماء هذا العصر المادي إن لم يتصفوا بصفة الزهد، على أقل تقدير، أن يكفوا أنفسهم عن الطمع، والجشع، وأن يسعوا إلى الكسب الحلال، وأن يعملوا على قهر رغباتهم الدنيوية، لينالوا ما تاقت إليه نفس عمر بن عبد العزيز إلى ما هو أسمى من الدنيا.. إلى جنات النعيم.
ونختم حديثنا عن الزهد عند عمر بن عبد العزيز بهذا الأثر: فقد قال لمولاه مزاحم: إني قد اشتهيت الحج، فهل عندك شيء؟ قال: بضعة عشر ديناراً. قال: وما تقع مني؟ ثم مكث قليلاً، ثم قال له: يا أمير المؤمنين تجهّز، فقد جاءنا مال سبعة عشر ألف ديناراً من بعض مال بني مروان، قال: اجعلها في بيت المال، فإن تكن حلالاً فقد أخذنا منها ما يكفينا، وإن تكن حراماً فكفانا ما أصابنا منها، قال مزاحم: فلما رأى عمر ثقل ذلك علي، قال: ويحك يا مزاحم لا يكثرن عليك شيء صنعته لله، فإن لي نفساً توّاقة لم تَتُق إلى منزلة فنالتها إلا تاقت إلى ما هي أرفع منها، حتى بلغت اليوم المنزلة التي ليس بعدها منزلة، وإنها اليوم قد تاقت إلى الجنة .
3 ـ تواضعه:
قال تعالى: {وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا ٦٣} [سورة الفرقان:63]. قال ابن القيم: أي يمشون بسكينة ووقار متواضعين . وقال ﷺ: «إن الله أوحى إليّ: أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» . وهذه الصفة الحميدة كانت إحدى الصفات الأساسية التي تميز بها عمر بن عبد العزيز، فقد أدى زهد عمر إلى تواضعه، لأن شرط الزهد الحقيقي هو التواضع لله .
وقد كان تواضع عمر في جميع أمور حياته ومعاملاته، فذلك ما يتطلبه الأمر من قائد خاف الله، ورجا ما عنده، وأراد الطاعة والولاء من رعيته، ومما يذكر من تواضع عمر جوابه لرجل ناداه: يا خليفة الله في الأرض، فقال له عمر: مه ! إني لما ولدت اختار لي أهلي اسماً فسموني عمر، فلو ناديتني: يا عمر، أجبتك، فلما اخترت لنفسي الكُنى فكنيت بأبي حفص، فلو ناديتني يا أبا حفص أجبتك، فلما وليتموني أموركم سميتموني: أمير المؤمنين، فلو ناديتني يا أمير المؤمنين أجبتك، وأما خليفة الله في الأرض، فلست كذلك، ولكن خلفاء الله في الأرض: داود والنبي ﷺ وشبهه ، مشيراً على قوله تعالى: {يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ } [سورة ص:26]
ومن تواضعه أن نهى الناس عن القيام له، فقال: يا معشر الناس ! إن تقوموا نَقُم، وإن تقعدوا نقعد، فإنما يقوم الناس لرب العالمين، وكان يقول للحرس: لا تبتدئوني بالسلام، إنما السلام علينا لكم .
وكان متواضعاً حتى في إصلاح سراجه بنفسه، فقد كان عنده قوم ذات ليلة في بعض ما يحتاج إليه، فغشى سراجه، فقام إليه فأصلحه، فقيل له: يا أمير المؤمنين! ألا نكفيك؟ قال: وما ضرني؟ قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز ، ومن تواضعه أيضاً: قال يوماً لجارية له: يا جارية روّحيني، قال: فأخذت المروحة فأقبلت تروحه، فغلبتها عينها فنامت، فانتبه عمر، فإذا هو بالجارية قد احمرّ وجهها، وقد عرقت عرقاً شديداً ـ وهي نائمة ـ فأخذ المروحة وأقبل يروحها، قال:
فانتبهت، فوضعت يدها على رأسها فصاحت، فقال لها عمر: إنما أنت بشر مثلي أصابك من الحر ما أصابني، فأحببت أن أروحك مثل الذي روحتني .
وكان يمتنع عن كثرة الكلام ـ وهو العالم الفصيح المفوّه ـ خشية على نفسه من المباهاة بما عنده، أو يظن الناس به ذلك، فكان يقول: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة . ودخل عليه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين، إن من كان قبلك كانت الخلافة لهم زيناً، وأنت زين الخلافة، وإنما مثلك كما قال الشاعر:
إذا الدرّ زانَ حسنَ وجوهٍ
كانَ للدرِّ حسنُ وجهِكِ زينا
فأعرض عنه . وقال له رجل: جزاك الله عن الإسلام خيراً. فقال: لا بل جزى الله الإسلام عني خيراً. ودخل عليه رجل، وهو في ملأٍ من الناس فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: عُمّ سلامك .
وهكذا أمير المؤمنين عمر، يخفض الجناح للمؤمنين، ولا يتكبر على أحد من عباد الله، ولم تزده الخلافة إلا تواضعاً ورأفة ورحمة، ولم يحمله المنصب إلا على الإخبات والخضوع لسلطان الحق، يصلح سراجه بنفسه، ويجلس بين يدي الناس على الأرض، ويأبى أن يسير الحراس والشُّرط بين يديه، ويعنّف من يعظمه أو يخصه بسلام من بين الجالسين، ويتأبى أن يتميز على الناس بمركب، أو مأكل، أو ملبس، أو مشرب .
4 ـ ورعه:
من صفات أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الورع، والورع هو الإمساك عما قد يضر، فتدخل المحرمات والشبهات لأنها قد تضر، فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه ، والورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج منها، ثم استعير للكف عن الحلال المباح .
وللدلالة على ما كان يتصف به عمر من الورع، وتحري السلامة من الشبهات، فقد روي أنه كان: يعجبه أن يتأدم بالعسل، فطلب من أهله يوماً عسلاً فلم يكن عنده، فأتوه بعد ذلك بالعسل، فأكل منه، فأعجبه، فقال لأهله: من أين لكم هذا؟ قالت امرأته: بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد، فاشتراه لي، فقال: أقسمت عليك لما أتيتني به، فأتته بُعكَّة، فيها عسل، فباعها بثمن يزيد على الدينارين، ورد عليها مالها، وألقى بقيته في بيت مال المسلمين، وقال: أنصبت دواب المسلمين في شهوة عمر .
ومن ورعه أنه: كان له غلام يأتيه بقمقم ، من ماء مسخن، يتوضأ منه، فقال للغلام يوماً: أتذهب بهذا القمقم إلى مطبخ المسلمين، فتجعله عنده، حتى يسخن، ثم تأتي به؟ قال: نعم أصلحك الله، قال: أفسدته علينا، قال: فأمر مزاحماً أن يغلي ذلك القمقم، ثم ينظر ما يدخل فيه من الحطب، ثم يحسب تلك الأيام، التي كان يغليه فيها، فيجعله حطباً في المطبخ .
ومن أمثلة ورعه: كان لا يقبل أية هدية من عماله أو من أهل الذمة خوفاً من أن يكون ذلك من باب الرشوة، فعن عمرو بن مهاجر قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحاً فقال: لو كانت لنا ـ أو عندنا ـ شيء من التفاح، فإنه طيب الريح طيب الطعم فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحاً، فلما جاء به الرسول، قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه، ارفعه يا غلام، فأقرئ فلاناً السلام وقل له: إن هديتك قد وقعت منا بموقع بحيث تحب، فقلت: يا أمير المؤمنين ! ابن عمك ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النبي ﷺ كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، قال: ويحك؟ إن الهدية كانت للنبي هدية وهي لنا اليوم رشوة .
ومن ورعه: أنه كان لا يرى لنفسه أن تشم رائحة مسك أتته من أموال المسلمين، فعندما وضعت بين يديه مسكة
عظيمة فأخذ بأنفه، فقيل: يا أمير المؤمنين إنما هو ريح، قال: وهل ينتفع منها إلا بريحها؟! .
وكان يحترز من استعمال أموال المسلمين العامة، فكان يسرج السراج من بيت المال إذا كان في حاجة المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها ثم أسرج عليه سراجه الخاص به من ماله الخاص .
وقد ذكر المؤرخون كثيراً من الأمثلة التي تدل على ورعه، فقد اعتبر أن البعد عن أموال المسلمين حتى في الأشياء اليسيرة القليلة هو من باب الابتعاد عن الشبهة، فكان بعيداً عن الشبهاتاحتياطاً لدينه، وذلك أن الأمور ثلاثة كما قال هو بنفسه:
1 ـ أمر استبان رشده، فاتبعه.
2 ـ وأمر تبين خطؤه، فاجتنبه.
3 ـ وأمر أشكل عليك، فتوقف عنه .
وكان رحمه الله ورعاً حتى في الكلام؛ فعندما قيل له: ما تقول في أهل صفين؟ قال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أُخضب لساني بها .
وهكذا يتضح أن ورع عمر كان في شأنه كله، في مأكله وحاجته وشهوته، ومال المسلمين، وفي كافة أمور حياته، ذلك الورع النابع مع الإيمان القوي، والشعور بالمسؤولية واستحضاره الآخرة، فقد كانت صفة الورع من صفاته الجلية، فقد بلغ به مبلغاً جعله يشتري مكان قبره الذي سيوارى فيه، فلا يكون له من الدنيا شيء دون مقابل حتى موضع قبره .
5 ـ حلمه وصفحه وعفوه:
ومن الصفات التي تجسدت في شخصية عمر بن عبد العزيز: الحلم والصفح والعفو، فعن شيخ من الخناصريين قال: كان لعمر بن عبد العزيز ابن له من فاطمة، فخرج يلعب مع الغلمان، فشجه غلام، فاحتملوا ابن عمر والذي شجَّه فأدخلوهما على فاطمة، فسمع عمر الجلبة وهو في بيت اخر فخرج، وجاءت امرأة فقالت: هذا ابني وهو يتيم، قال: أله عطاء؟ قالت: لا. قال: فاكتبوهُ في الذرية، فقالت فاطمة: فعل الله به وفعل إن لم يشجه مرة أخرى، فقال عمر: إنكم أفزعتموه .
وعن إبراهيم بن أبي عبلة قال: غضب عمر بن عبد العزيز يوماً غضباً شديداً على رجل، فأمر به فأحضر وجرِّد وشُدَّ في الحبال، وجيء بالسياط فقال: خلُّوا سبيله، ثم قال: أما أني لولا أن أكون غضبانَ لسُؤْتُك. وتلا:{وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ} [سورة آل عمران:134]
وعن عبد الملك قال: قام عمر بن عبد العزيز إلى قائلته، وعرض له رجل بيده طومار، فظن القوم أنه يريد أمير المؤمنين، فخاف أن يُحبس دونه فرماه بالطومار، فالتفت عمر فوقع في وجهه فشجه. قال: فنظرت إلى الدماء تسيل على وجهه وهو قائم في الشمس، فلم يبرح حتى قرأ الطومار وأمر له بحاجته وخلَّى سبيله .
وروي أن رجلاً نال من عمر فلم يجبه. فقيل له: ما يمنعك منه؟ قال: التقيُّ مُلجم .
وعن حاتم بن قدامة أن رجلاً قام إلى عمر بن عبد العزيز وهو يخطب، فقال له: أشهد أنك من الفاسقين. فقال له عمر: وما يدريك؟ وأنت شاهد زور فلا نجيز شهادتك.
وروي أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة خرج ليلة في السحر إلى المسجد ومعه حرسي فمرا برجل نائم على الطريق فعثر به عمر. فقال له: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا؛ فهمَّ الحرسي به. فقال له عمر: مه، فإنه سألني أمجنون أنت؟ فقلت: لا .
وروي أن رجلاً قام إلى عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر فنال منه وأغضبه، فقال له عمر: يا هذا ! أردت أن يستفزني الشيطان مع عزة السلطان أن أفعل بك اليوم ما تفعل بي غداً مثله. اذهب غفر الله لي ولك . وقيل: أتى ولد لعمر بن عبد العزيز وهو يبكي، فقال له: ما شأنك؟ فقال: ضربني فلان العبد. فجيء به. فقال له: ضربته؟ قال: نعم. فقال له: اذهب فلو أني معاقب أحداً على الصدق لعاقبتك، اذهب، ولم يكلمه . والمواقف في حلمه وصفحه وعفوه كثيرة، وهذا غيض من فيض.
6 ـ صبره:
ومن صفاته رحمه الله الصبر والشكر، روي: أنه لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، حضر عند قبره فقال: لا تعمقه؛ فإن ما علا من الأرض أفضل مما سفل منها ، وروي أنه حين مات عبد الملك ولده، وسهل بن عبد العزيز أخوه ومزاحم مولاه، قال رجل من أهل الشام: والله لقد ابتلي أمير المؤمنين ببلاء عظيم: مات ولده عبد الملك لا والله إن رأيت ولداً كان أنفع لوالده منه، ثم أصيب أمير المؤمنين بأخ لا والله ما رأيت أخاً أنفع لأخ منه. قال: وسكت عن مزاحم. فقال عمر بن عبد العزيز: لم سكت عن مزاحم، فوالله ما هو أدنى الثلاثة عندي، رحمك الله يا مزاحم مرتين أو ثلاثاً، والله لقد كنت كفيت كثير الدنيا، ونعم الوزير كنت في أمر الآخرة .
وعن حفص بن عمر قال: لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جعل أبوه يثني عليه عند قبره، فقال مسلمة: أرأيت لو بقي أكنت تولِّيه؟ قال: لا. قال: فأنت تثني عليه بهذا الثناء، قال: إني أخاف أن يكون زيِّن لي من المحبة له ما يزين في عين الوالد من حبِّ ولده .
وخطب عمر في خطبته فقال: ما من أحد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ إلا كان الذي أعطاه الله من الأجر فيها أفضل مما أخذ منه، وقال: الرضا قليل، والصبر معتمد المؤمن. وقال: من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ومن لم يَعدَّ كلامه من عمله كثرت خطاياه، والرضا قليل، ومعول المؤمن على الصبر.
وكان من أجلِّ ما صبر عليه عمر في حياته: أمر الخلافة، فقد قال: والله ما قعدت مقعدي هذا إلا خوفاً أن يثبت عليه من ليس بأهل، ولو أني أطاع فيما أعمل لسلمتها إلى مستحقيها ـ يعني الخلافة ـ ولكنني أصبر حتى يأتي الله بأمر من عنده، أو يأتي بالفتح .
7 ـ الحزم:
لقد اتسم عمر بن عبد العزيز بهذه الصفة، في وقت أكثر ما يكون فيه أمر الأمة والخلافة في حاجة إلى الحزم، وبخاصة فيما يتعلق بالولاة والأمراء والعمال، وللدلالة على تحلّي عمر بصفة الحزم وضبط الأمور، وعدم التهاون فيما يراه ضرورياً لخدمة الصالح العام، وما يصلح به أمر المسلمين، فلقد أخذ حزم عمر صوراً مختلفة ومجالات عدة، كحزمه مع أمراء وأشراف بني أمية، ومع الذين يريدون شق عصا المسلمين والخروج على جادتهم وإثارة الفتن وسفك الدماء، وغير ذلك من الأمور، فقد كان أول مؤشر على حزمه موقفه من بني مروان، إذ قال لهم: أدوا ما في أيديكم ولا تُلجئوني إلى ما أكره، فأحملكم على ما تكرهون، فلم يجبه أحد منهم. فقال: أجيبوني، فقال رجل منهم: والله لا نخرج عن أموالنا التي صارت إلينا من ابائنا، فنُفقِّر أبناءنا ونكفر اباءنا، حتى تتزايل رؤوسنا، فقال عمر: أما والله لولا أن تستعينوا عليَّ بمن أطلب هذا الحق له، لأضرعت خدودكم عاجلاً، ولكني أخاف الفتنة، ولئن أبقاني الله لأُردَّنَّ إلى كل ذي حق حقه إن شاء الله .
وكان إذا وقع في أمر مضى فيه، وجاءه يوماً كتاب من بعض بني مروان فأغضبه فاشتاطثم قال: إن لله من بني مروان يوماً ـ وقيل: ـ وذبحاً ـ وايم الله، لئن كان ذلك الذبح على يدي ...، فلما بلغهم ذلك كفوا، وكانوا يعلمون صرامته، وأنه إذا وقع في أمر مضى فيه .
وأما فيما يتعلق بمن يريد شق عصا المسلمين والخروج عليهم، فقد اتبع معهم أسلوب الحوار والمناظرة ـ وهم الخوارج الذين ثاروا ضد بني أمية بقيادة شوذب الخارجي 100 هـ ليقف على ما دفعهم إلى ذلك، ويرى إن كان الحق معهم نظر في أمره، وإلا فليدخلوا فيما دخل فيه الناس، إلا أنه في الوقت نفسه قرن إجراءاته تلك بشيء من الحزم والصلابة، عندما يصل الأمر إلى مرحلة سفك دماء المسلمين أو الإفساد، إذ كتب إلى عامله على العراق يقول: لا تحركهم إلا أن يسفكوا دماً، أو يفسدوا في الأرض، فإن فعلوا فخلِّ بينهم وبين ذلك، وانظر رجلاً طيباً حازماً فوجهه إليهم، ووجه معه جنداً، وأوصه بما أمرتك به .
وهكذا كان عمر في حزمه، فقد أخذ الإجراءات والمواقف الحازمة والتي كانت على درجة كبيرة من الأهمية
والحساسية، وكان لذلك الحزم مردود إيجابي كبير على سير الأمور وتنفيذ ما كان يسعى لتحقيقه من العدل والطمأنينة ومعالم الخلافة الراشدة .
8 ـ العدل:
إن صفة العدل من أبرز صفات عمر بن عبد العزيز القيادية على الإطلاق، وقد تحدثت عن العدل في دولته وسياسته في رد المظالم فيما مضى، ولقد أجمع العلماء قاطبة على أنه ـ أي عمر بن عبد العزيز ـ من أئمة العدل، وأحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين .
ولعل عدل عمر من أهم أسبابه يرجع إلى إيمانه بأن العدل أحد نواميس الله في كونه، ويقينه التام بأن العدل ثمرة من ثمرات الإيمان، وأنه من صفات المؤمنين المحبين لقواعد الحق، وإلى إحساس عمر بوطأة الظلم للناس في خلافة من سبقه من الخلفاء والأمراء الأمويين، بالإضافة إلى السبب الأهم وهو: ما أمر الله به من العدل والإحسان، وأنهما الأسس العامة لأحكام الشرائع السماوية، وما نماه الإسلام في نفس عمر، من حب للعدل وإحياء لقيمه ، وإليك هذه الصور من عدله والتي لم أذكرها فيما مضى:
ما رواه الاجري من أن رجلاً ذمّياً من أهل حمص قدم على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين: أسألك كتاب الله عز وجل، قال: وما ذاك، قال: العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي ـ والعباس جالس ـ فقال له: يا عباس ! ما تقول؟ قال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين ! أسألك كتاب الله عز وجل. فقال عمر: كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، فاردد عليه يا عباس ضيعته، فردّها عليه .
ومن مواقفه العادلة ما حدّث به الحكم بن عمر الرعيني، قال: شهدت مسلمة بن عبد الملك يخاصم أهل دير إسحاق عند عمر بن عبد العزيز بالناعورة ، فقال عمر لمسلمة: لا تجلس على الوسائد، وخصماؤك بين يدي، ولكن وكِّل بخصومتك من شئت، وإلا فجاثي القوم بين يدي، فوكل مولى له بخصومته ـ يعني مسلمة ـ فقضى عليه
بالناعورة . وهذا قليل من كثير، مما أوردته كتب السير عن عدل عمر.
9 ـ تضرعه ودعاؤه واستجابة الله لدعائه:
كان عمر بن عبد العزيز كثير التضرع والدعاء، فقد كان يقول: يا رب خلقتني ونهيتني ووعدتني بثواب ما أمرتني، ورهبتني عقاب ما نهيتني عنه، وسلطت علي عدواً أسكنته صدري وأجريته مجرى دمي، إن أهمّ بفاحشة شجعني، وإن أهم بصالحة ثبطني، لا يغفل إن غفلت، ولا ينسى إن نسيت، ينصب لي في الشهوات، ويتعرض لي في الشبهات، وإلا تصرف عني كيده يستذلني، اللهم فاقهر سلطانه علي بسلطانك عليه حتى أحبسه بكثرة ذكري لك فأكون مع المعصومين بك، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وكان يقول: اللهم أصلح من كان في صلاحه صلاح أمة محمد ﷺ، اللهم أهلك من كان في هلاكه صلاح أمة محمد ﷺ . وكان يدعو بهذا: اللهم ألبسني العافية حتى تهنّيني المعيشة، واختم لي بالمغفرة حتى لا تضرني الذنوب، واكفني كل هول دون الجنة حتى تبلغنيها برحمتك يا أرحم الراحمين. وكان يقول: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد، ولم أعصِك بأبغض الأشياء إليك وهو الشرك، فاغفر لي ما بينهما .وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أُبدل نعمتك كفراً، أو أن أكفرها بعد موتها، أو أن أنساها فلا أثني بها . وكان كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء: اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته .
وكان رحمه الله مستجاب الدعوة، فروى ابن الحكم أن ابن الريان كان سيافاً للوليد بن عبد الملك، فلما ولي عمر الخلافة قال: إني أذكر وتيهه، ثم قال: اللهم إني قد وضعته لك فلا ترفعه، فما رئي شريف قد خمد ذكره مثله حتى لا يذكر، وقد دعا عمر رحمه الله حين حج وأخبر قبل دخوله إلى مكة بقلة الماء فيها، فدعا عند ذلك، فأجاب الله دعاءه، فسقوا، وهذا حين كان أميراً على المدينة ، كما دعا على غيلان القدري حين ناظره فقال: اللهم إن كان عبدك غيلان صادقاً، وإلا فاصلبه، فصلب بعد في خلافة هشام بن عبد الملك.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: