الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

تأملات في الآية الكريمة:

{...وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 182

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م

وما أروع ما ختمت به الآية الكريمة(1)، وقد ختم الله عزّ وجل الآية بهذه الجملة السامية، وهي تدل على أمور منها:

- أولها: إنّ الذين يعاندون الحق ظالمون دائماً يظلمون أنفسهم؛ لأنّهم يسدون منافذ النور فلا يصل إلى قلوبهم، ويظلمون أقوامهم؛ لأنّهم يحملونهم على الضلال، ويظلمون الحق لأنهم يحاربونه.

- ثانيها: إنَّ ظلمهم يسبق كامل ضلالهم؛ ذلك لأن الشهوات تتحكم فيهم فتدفعهم إلى طلب ما ليس لهم، ثم يستهويهم الشيطان بالطمع بعد المطمع، فيتجاوزون الحدود ويطغون، ثم يكون الضلال الكامل الذي تطمس به البصيرة فتغلق القلوب عن الحق وتقسو فلا تلين.

- ثالثها: إنَّ الظلم إذا استحكم في النفس أصبحت كل البراهين لا تجدي، بل تزيده عناداً وإصراراً، ولذلك لم يكتب الله الهداية لمن استمرأ الظلم آحاداً أو جماعات والله ولي المتقين(2).

- رابعها: في ختام هذه القصة، جاء التعقيب مناسباً لما بنيت عليه القصة، فقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}: تذييل مقرر لمضمون ما قبله(3).

هذا ومن دلالة دقة المعنى: توكيد الخبر بإسمية الجملة والنفي(4)، وإظهار لفظ الجلالة لتربية المهابة(5)، وهكذا نجد نهاية الآية مناسب لصدر ومضمون الآية(6).

ومن الهدايات التربوية في هذا الموضع: أنه كلما كان الإنسان أظلم كان عن الهداية أبعد؛ لأنَّ الله عزّ وجل علق نفي الهداية بالظلم وتعليق الحكم بالظلم يدل على علّته، وكلما قويت العلة قوي الحكم المعلق عليها(7).

وهكذا جاءت القصة بأوجز لفظ وأبلغه، فهي كما نلحظ امتازت بالتركيز والتكثيف البلاغي، ودقّة الوصول إلى المعنى عبر القول الموجز والإشارة الدّالة التي تشيع بالإيحاءات المصورة التي أسهمت في تجسيم المعاني، وجعلت هذه القصة حية تنبض بالحياة والحركة(8).

ويقول ابن قيّم الجوزية: فإن من تأمل موقع الحجاج وقطع المجادل فيما تضمنته هذه الآية، وقف على أعظم برهان بأوجز عبارة(9).

 

مراجع الحلقة الثانية والثمانون بعد المائة:

(1) قصص القرآن الكريم، فضل حسن عباس، ص322.

(2) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (2/959).

(3) التناسب القرآني في آية قصة إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، مريم نافل الدويلة، ص53.

(4) دليل البلاغة القرآنية، محمد سعيد الدبل، مكتبة الملك فهد الوطنية، السعودية، ط2، 2010 م، ص345.

(5) تفسير أبي السعود "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم"، (1/240).

(6) التناسب القرآني في آية قصة إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، مريم نافل الدويلة، ص54.

(7) تفسير القرآن الكريم، محمد بن صالح العثيمين، (3/285).

(8) التناسب القرآني في آية قصة إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، مريم نافل الدويلة، ص55.

(9) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، ابن قيم الجوزية، (2/490).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

www.alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022