تأملات في الآية الكريمة:

{... فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ...}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 181

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م

معنى {فَبُهِتَ} أي: دهش أولاً فتحير في أن يرد ثانياً، فكان نتيجة ذلك أنه هُزم ثالثاً، وهذا أمر ليس بعجيب؛ لأنّه ما دام كافراً، فليس له ولي أوليه من لا يقدر {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ}، أما إبراهيم - عليه السّلام - فوليه الله(1).

وقد اختير لفظ {فَبُهِتَ} دون غيره؛ لأنَّ فيه غزارة في المعنى: كانقطع وبطلت حجته ودهش وتحير(2).

وهذا اللفظ {فَبُهِتَ} في نهاية المناظرة مع الملك المتغطرس يشخص الموقف ويلخص النتيجة كاملة، ويجسد معنى الحيرة والانبهار والسكوت، من شدة هول المفاجأة وقوة وقع الهزيمة وانقطاع الحجة، حتى لكأننا نرى الملك الطاغية مبهوتاً، قد أخذته الحيرة وأحاط به العجز، فامتقع لونه من خزي وبرق بصره من دَهش، وحاولت شفتاه أن تنطق بمغالطة أخرى فلم تقدرا على شيء، ولكأننا نراه وقد أطرق إلى الأرض عاجزاً مخذولاً، والناس من حوله ينظرون إليه باحتقار وذهول(3).

وبهذا الوصف {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} اختصر السّياق النتيجة العظيمة والفوز الساحق الذي حققه الخليل على خصمه المكابر الذي سقط صريعاً في لحظات قليلة، واجه بها خبرة إبراهيم وحجّته المؤيدة من ربِّ العالمين، فظهر للمغترين به بطلان ادّعائه مشاركة الله تعالى في ربوبيته، وتجلت حقيقة التوحيد لله وحده لا شريك له في خلقه وتدبيره، ونصر الله خليله وجعله قدوة للرسل والمؤمنين من بعده(4).

وفي قوله: {الَّذِي كَفَرَ} إشارة إلى أن محاجّة هذا الملك محاجة بباطل، قال تعالى: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}، كما أن الآية تبيّن أن كل من جحد الله فهو كافر(5).

مراجع الحلقة الواحدة والثمانون بعد المائة:

(1) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (2/1129).

(2) التناسب القرآني في آية قصة إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، مريم نافل الدويلة، ص52.

(3) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص348.

(4) المرجع نفسه، ص124.

(5) قصص القرآن، محمد صالح بن العثيمين، ص50.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي