تأملات في الآية الكريمة:
{قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 179
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م
قالها الملك المتكبر: إما تلبيساً، وإما مكابرة، وإما تلبيساً، كما قاله أكثر المفسرين وقالوا إنه أتى باثنين، فقتل أحدهما، وأبقى الآخر، فقال: أمتُّ الأول وأحييت الثاني، هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين وعلى هذا فيكون قوله: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} تلبيساً والحقيقة أنه ما أحيا ولا أمات هنا، وإنما فعل ما يكون به الموت في دعوى الإماتة، واستبقى ما كان حياً في دعواه الإحياء، فلم يوجد حياة من عنده، وقال بعضهم: بل قال ذلك مكابرة، يعني: هو يعلم أنه لا يحيي ولا يميت، كأنه يقول لإبراهيم: إذا كان ربك يحيي ويميت، فأنا أحيي وأميت(1).
سبحان الله كيف يسوّل الغرور للمغرور، شتان بين المعنى الذي يشير إليه إبراهيم - عليه السّلام - وبين المعنى الذي لاذ إليه الملك، وأنّى بالأوامر وبالأحكام أن تكون مثل الإنشاء من عدم والإفناء المطلق، إنّه الغرور ألا يعلم الملك من تجربته أنه كل مرة يعزم على إعدام أحد، ولكن واهب الحياة لا يريد فلا تتمّ إلا إرادة واهب الحياة، وكم مرة يعزم الملك على العفو، ولكن السيف يسبق ذلك؛ لأنّ الأجل - وهو بيد الله - قد حان، ألا يعلم الملك أن الملوك لو كانوا قادرين على الإحياء الحق ما مات جدّه الأول أبداً وما وصل إليه الملك في يوم من الأيام، نعم إنه يعلم؛ ولكنه يكابر.
وأمام هذه المكابرة على هذه الحجة الأولى التي لا يمكن أن تظهر آثارها بالملموس؛ لأنَّ الإنشاء والإفناء من أسرار الغيب، يلجأ إبراهيم - عليه السّلام - إلى حجة ملموسة دامغة، يمكن أن تلجم الخصم الحجر أمام أنصاره أجمعين، وكذا حجة المؤمن الرباني الملهم من ربّ العالمين في كل زمان ومكان(2).
مراجع الحلقة التاسعة والسبعون بعد المائة:
(1) قصص القرآن، محمد بن صالح العثيمين، ص46.
(2) وإبراهيم الذي وفّى، فرحات بن علي الجّعبيري، ص32.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي