الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

(أهم صفات إبراهيم عليه السّلام)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 183

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م

 

من أهم السمات والصفات التي أظهرها الحوار ما بين إبراهيم - عليه السّلام - والملك الطاغية:

‌أ- دوام الاتصال بالإله الحق:

لقد كان إبراهيم - عليه السّلام - وثيق الاتصال بالله عزّ وجل، عظيم الشعور بأن الله معه في كل شيء، في سرِّه وعلانيته وقوته وضعفه وحياته وموته لا سيّما عندما يتحرك في الأعمال الرسالية التي تحتاج إلى بذل وجهد وتضحية واستشهاد، ويظهر أن تعبّد إبراهيم - عليه السّلام - وتعلّقه بربّه، وتوكله عليه أوصله إلى مقام رفيع، ومنزلة عالية، فأصبح مثالاً في موالاة الله له ونصره أمام أعدائه(1).

فهذه المحاورة، جاءت كمثال تطبيقي يجسد صور ولاية الله لعباده المؤمنين، فإنّ هذا القرب من الخالق عزّ وجل منح شخص إبراهيم - عليه السّلام - هذا البذل المدهش، والتفاني العجيب في نشر دعوته وقضيته الكبرى؛ دلالة الخلق على توحيد الله والإيمان به، ونبذ الشرك بكل صوره وتطبيقاته، ونلمس ذلك في حماسته في أول لقاء يجمعه بالملك المتجبر المشتهر بكفره وطغيانه، كما حكى عنه القرآن الكريم: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}.

لقد كانت العقيدة تملأ مشاعره وتشغل تفكيره، تنتقل معه حيث ارتحل، وتحل معه حيث نزل، لا يداهن فيها عظيماً ولا يجامل فيها قريباً ولا يستبقي من أجلها ولداً ولا وطناً، ومما يدهش أننا إذا تأملنا الآيات الثلاثة التي سبقت هذه المحاورة، تجد أن العقيدة التي أتى بها إبراهيم - عليه السّلام - والقضية التي جادل عنها، وخاطر بنفسه من أجلها هي مضمون آية الكرسي التي هي أعظم آية في القرآن الكريم؛ فالدعوة إلى التوحيد عنده تتصدر سلّم الأولويات، والبدء بالإصلاح العقدي يشكل منصة البداية الصحيحة التي تنشد إصلاحاً حقيقياً وشاملاً(2).

‌ب- سعة العلم:

لقد أعطى الله إبراهيم - عليه السّلام - من العلم واليقين ما لم يُعطَ أحد من المرسلين، سوى محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهذه السمة تظهر في كل محاوراته تقريباً، لكنها هنا برزت في دقّة اختياره الحجج، وانتقائه الأدلة القاطعة.

إنَّ اختيار إبراهيم - عليه السّلام - قضية الإحياء والإماتة؛ لتكون محوراً للتحدي يدل على علم راسخ وفهم دقيق، إذ لا تزال هذه القضية غير محسومة من قبل العلم البشري رغم النقلات العلمية الكبرى التي تشهدها البشرية اليوم، فلا تزال قضية مجهولة مفتوحة للتحدي، والمناظرة بأكملها شاهدة على سعة العلم، وقوة اليقين، ولعلَّ السمة التالية تكشف مزيداً من هذا الجانب في حياة إبراهيم عليه السّلام(3).

‌ج- المُناظر الخبير:

انتدب الله إبراهيم الخليل - عليه السّلام - لمقاومة هذا الملك الظالم الذي طغى وادّعى الربوبية، فناظره وأفحمه، وألجمته الحجج وأذهلته قدرة إبراهيم - عليه السّلام - في المناظرة.

وإنَّ المتأمل في هذه المحاورة يتملكه العجب من خبرة إبراهيم - عليه السّلام - في الحجاج وملَكَته في إلزام الخصم بالبينة والبرهان بثقة نفس وهدوء أعصاب، رغم صلافة الطرف الآخر، ومراوغته وخداعه وكبره وخُيلائه، وأسلوبه محل اقتداء واتباع للمدافعين عن الحقّ والسائرين على نهج دعاة الأنبياء والمرسلين والمُصلحين(4).

مراجع الحلقة الثالثة والثمانون بعد المائة:

(1) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الآلوسي، (2/16).

(2) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص118.

(3) المرجع السابق، السيف، ص120.

(4) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص120.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

www.alsallabi.com

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022