(من أوجه الإعجاز التاريخي والبلاغي في قصة ابراهيم عليه السلام)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 184
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م
1. وجه من الإعجاز التاريخي:
لم يرد ذكر هذه الواقعة في سيرة إبراهيم في العهد القديم، وإيرادها في القرآن الكريم يُعدُّ وجهاً من أوجه الإعجاز الإنبائي التاريخي الذي يدحض دعوى المدّعين بأن القصص القرآني مستمد من بعض المصادر القديمة كالعهد القديم، علماً بأنه إذا وجد شيء من التشابه فهو حجة للقرآن الكريم وليست عليه؛ لأنَّ مصدر الوحي السماوي واحد هو الله سبحانه، والفارق الجليّ هنا هو بين وحي تعهد الله عزّ وجل بحفظه تعهداً مطلقاً، فتمّ حفظه على مدى يزيد على الأربعة عشر قرناً في نفس لغة وحيه "اللغة العربية"، ووحيّ ضاعت أصوله ثم دوّن في لغات غير الوحيّ، وبأيدي أناس غير معروفين وغير معصومين، مما عرّض الوحيّ السماويّ للتحريف والتزوير والتزييف والتضليل، ولا يزال وسوف يستمر كذلك إلى أن يشاء الله(1).
2. وجه من الإعجاز البلاغي:
إنَّ آية قصة إبراهيم - عليه السّلام - والملك بلغت ذروة الإعجاز، على قصر إيجازها وشدته، ومع ذلك أصابت جوهر المعنى عبر كلام موجز وإشارة دالة، يعجز عن الإتيان بمثله جميع البشر، فجمعت القصة بين فصاحة نظم ألفاظها وحسن ترتيبها بين الآيات الكريمة، وتظهر بلاغة القرآن الكريم في عرض الأمور العجيبة معرض التقرير والاستفهام؛ لأنَّ التقرير يحمل المخاطب على الإقرار و"الاستفهام" يثير اهتمام الإنسان، فجمع بين الاستفهام والتقرير في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ}، وتبرز في الآية الكريمة دور الفاصلة القرآنية، حيث حملت في طياتها أهدافاً دلالية مطّردة ومتلازمة مع الهدف الجمالي للإيحاء، ودلالة الوفاء بالغرض المطلوب. وفي دراسة مثل هذه القصص، يجب الاهتمام بعلم التناسب في إظهار الوحدة الموضوعية للقصة القرآنية وبيان وجه مناسبتها للآيات التي قبلها وبعدها في السورة، إضافة إلى بيان أوجه المناسبة بين بداية القصة وخاتمتها، مما يعكس وجهاً من وجوه الإعجاز القصصي في القرآن الكريم، وظهرت في هذه الآية الكريمة بلاغة الألفاظ القرآنية في تجسيم المعاني وسرعتها في العرض والأداء، مما أكسبها قدرة على التأثير والإقناع في نفوس المتلقّين(2).
مراجع الحلقة الرابعة والثمانون بعد المائة:
(1) من آيات الإعجاز الإنبائي والتاريخي، د. زغلول النجار، (1/330).
(2) التناسب القرآني في آية قصة إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، مريم نافل الدويلة، ص56.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي