الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

(فقه الأولويَّات كفرع عن مجموعة مِن العلوم)

اقتباسات من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة: السادسة عشر

ذو الحجة 1444ه/ يوليو 2023م

 

أولًا: فرع عن الفقه في الشريعة، فإنَّ الفقه في الشريعة أساس لِمَنْ يريد أن يعرف الأولويَّات؛ لأن الحديث عن أولويَّات لها امتدادٌ واعتبار شرعيٌّ، فلا بدَّ لمن يتحدَّث في فقه الأولويَّات أن يكونَ عنده إلمامٌ شرعيٌّ، ولا يلزَم أن يكون مُلِمًّا بالشريعة كلِّها، لكن أن يكون لديه إلمامٌ بالباب أو المسألة التي يريد أن يتحدَّث فيها.

ثانيًا: أن يكون لديه إلمامٌ بالحال أو بالظروف، وهذا ما يُعَبِّر عنه البعضُ بـ (فقه الواقع).

وفقهُ الواقعِ ليس مُصْطَلحًا جديدًا، أو معنًى مُبْتَكرًا، وإنما هو أمرٌ معروف عند جميع مَن أَلَّفوا، وصنَّفوا في موضوع الفتوى، كما تكلم فيه الإمامُ أحمدُ رحمه الله، وأشار إليه ابنُ القيم في إعلام المُوقِّعين، والقرافيُّ وغيرُهم، ممن أشاروا إلى أن المفتي يجب عليه أن يكونَ فقيهًا عارفًا بالمسألة والحال التي يريد أن يُفْتي فيها.

ثالثًا: هذا العلم هو فرع عن فِقه التجربة والخبرة؛ لأن أكثر ما يُتَكَلَّم عنه في موضوع الأولويَّات هو الأشياء التي تحتاج إلى خبرة ومعرفة، وعلمُ الإدارةِ مِن العلوم الوثيقةِ الصلة بفقه الأولويَّات، غير أنَّ عددًا مِن الذين كتبوا في فقه الأولويَّات -ومنهم الأستاذ محمد الوكيلي من خلال أطروحة ماجستير عنوانها: «فقه الأولويَّات دراسة الضوابط»، وأخرجَها المعهدُ العالميُّ للفكر الإسلاميِّ، وكذلك الدكتور يوسف القرضاويُّ وغيرهما- فكلُّ هذه الكتب حاوَلَت أن تستفيدَ مما كتبه علماء الأصول السابقون، لكنْ لم يزاوج أحدٌ منهم بين ما كتبه علماء الفقه والأصول، وبين ما كتبه علماء الإدارة المعاصرون في موضوع إدارة الأولويَّات، كما في عدد مِن الكتب المترجَمة الشهيرة.

فهذا العلم الرابع هو فقه الأولويَّات الذي تفرَّع عن هذه العلوم الثلاثة، وهو وثيق الصلة بها.

إضافةً إلى أنَّه لا بدَّ لمن يبحث في هذا العلم أنْ يكون لديه قَدْرٌ مِن الاتزان الفطريِّ والتكوين النفسيِّ، أو ما يسمِّيه بعضُ العلماءِ كالْجُوَيْنيِّ بـ «فقه النفس»، ويُقصَد به أن يكونَ عند الإنسان في أصل طبيعتِه قَدْرٌ مِن الفقه الفطريِّ الذي يستطيع به أنْ يميِّز الأشياءَ ويفرِّق بينها، ولذلك يستطيع أن يُدْرِكَ مسائلَ كثيرةً دون جهد، ولا استقصاء في الاستدلال.

وأحيانًا قد يجهد الإنسان في بحث الأدلَّة الشرعيَّة في مسألة لا تحتاج إلى كلِّ ذلك؛ لأنها داخلةٌ في باب العفو العامِّ، أو البراءة الأصلية.

فمَن شاء أن يتكلَّم عن فنون الإلقاء، فإنه لا يحتاج إلى تأصيل شرعيٍّ لفنِّ الإلقاء مِن حيث أصل جوازه، وإذا أراد أن يتكلَّم عن بعض طرائق الإدارة فكذلك.

ودور الشارع هنا هو في إيقاف الإنسان عند حدود الله تعالى، فلا يتعدَّاها إلى ارتكاب حرام..، هذا هو المطلوب! أعني أن فقه الأولويَّاتِ مَعْنِيٌّ باختيار الأنسب مِن إرشادات الشريعة لإصلاح الواقع.

 

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 87-89


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022