(أنواع الأولويات)
اقتباسات من كتاب
"فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: 18
26 ذو الحجة 1444ه/ 14 يوليو 2023م
الأول: ما هو خاصٌّ بالعمل الواحد فبعضه أولى مِن بعض، فالإنفاق على القريب -مثلًا- أولى مِن الإنفاق على البعيد.
والإنفاق في مجالات الدعوة والبناء والإصلاح، أولى مِن الإنفاق في مجالات أقلَّ أثراً منها.
فبدلًا مِن أنْ يبالَغ فيُبْنَى مسجد بملايين الريالات، وقد لا يُصلَّى في هذا المسجد إلا عدد قليل، يكون خيرًا مِن ذلك بناء الإنسان، وإرسال الدعاة، وتشييد المؤسَّسات التي يتمُّ مِن خلالها إعداد الكوادر والكفاءات الإسلاميَّة والعلميَّة.
الثاني: متعلِّق بأولويَّات الفرد ذاته، فمِن الناس من يتوجهون، ثم يقع عندهم حَيْرةٌ وارتباك!
فأمامهم طريقٌ واسع، وطموحات متعدِّدة في العلم، والعمل، والدعوة، والإصلاح، وبِرِّ الوالدين، وصلة الرحم، والإنفاق والبذل، وفي ألوان كثيرة مِن ألوان المجاهَدات بالنفس أو بالمال أو بالبدن أو باللسان أو بغير ذلك، فيتحَيَّر الإنسان أمام هذه الأشياء، بأيها يبدأ، وأيها يختار، وقد أرشَد إلى هذا المعنى ما في «صحيح البخاري» مِن حديث أبي جُحَيْفَة رضي الله عنه في قصة سلمان لـمَّا بات عند أبي الدرداء رضي الله عنهما، وقال له: «إنَّ لنفسِك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولربِّك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه». ولما سأل أبو الدرداء النبيَّ ﷺ، قال له النبيُّ ﷺ: «صدق سلمان»().
فهذا تنبيه إلى أن يُعطِي الإنسانُ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وأن لا يطيح في سبيل اعتبار الأولويَّات بجانب مِن هذه الجوانب.
الثالث: ما هو عامٌّ للأُمَّة مما تحتاجه، وتتعامل به في ذات نفسِها أو مع غيرها مِن الأمم، ومثل ذلك ما تحتاجه دولة مِن الدول في مفردها وخصوصها.
وإنَّ هذه الأنواع مِن الأولويات تحتاج إلى معرفةِ مقاصدِ الشريعةِ وعلل الأحكام، فإنَّ مِن المتقرِّر عند أغلبيَّة أهل العلم أنَّ أحكام الشريعة مُعَلَّلة، وأنَّ المقصودَ فيها مصلحةُ الناس في دينهم ودنياهم، فحتى العبادات أشار الإمام ابن القيِّم رحمه الله() إلى أنَّها مُعَلَّلة، وهذا هو ما يقتضيه ظاهر الكتاب في تعليل الصلاة: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، والصيام: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، والزكاة: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، والحج: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾.
فهناك ارتباط قويٌّ لهذه الأنواع كلِّها بجانب مراعاة المقاصد الشرعيَّة، التي منها المقاصدُ الضروريَّة الخمسة المعروفة: المحافظة على الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ومنها ما هو دون ذلك.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 93-95