تطبيقات لفقه الأولويات من القرآن والسنة
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: 20
ذو الحجة 1444ه/ يوليو 2023م
ثَمَّت تطبيقاتٌ كثيرة مِن القرآن والسنَّة:
1- يقول الله جل وعلا: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ فالقول: هو القرآن نفسه، ويقول سبحانه: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
والأوامر الربانية كلُّها حسنة، لكن فيها ما هو أحسن، وهذا الأحسن قد يكون أحسن مطلقًا، وقد يكون أحسنَ في وقت مِن الأوقات، كالعفو، فإنَّه أحسنُ مِن المؤاخذة، وقد يكون هذا بحالة ما إذا كان العفو يترتَّب عليه إصلاحٌ، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، ومعنى قوله سبحانه: ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾، أي: يختارون الأفضل، وكلُّه مما أنزل الله، ومما أَمَرَ به، والله سبحانه وتعالى أنزله على نبيِّه ﷺ.
2- وقال جل وتعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾، فعاب الله على بني إسرائيل أنهم أخذوا الأدنى، وتركوا الذي هو خير، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ على الإنسانِ العاقلِ الحصيف أنْ يأخذَ الذي هو خيرٌ، ويترك الذي هو أدنى.
3- ويقول جل وعلا: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، فبَيَّن سبحانه أنَّهم لا يستوون عنده جل وعلا، وأن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا هم الأفضل والأعظم درجة عند الله، وهم الذين أخذوا الأَوْلَى.
4- وفي قوله سبحانه: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾، إشارة إلى اختيار الأَوْلَى، وأنَّ الكلامَ الطيِّبَ والعفوَ، أفضلُ مِن أنْ يتصدَّق الإنسان، ثم يُتْبِع صدقتَه الـمَنَّ والأذى.
5- ومن السنَّة النبويَّةِ في الحديث القدسي: «وما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه»، فأشار إلى محبَّة الله تبارك وتعالى لهذا العمل الذي هو الفريضة، ثم يأتي بعده النافلة.
6- «أيُّ العملِ أفضلُ»، وفي هذا جاءت أحاديثُ كثيرةٌ عن النبيِّ ﷺ، فمَرَّة يقول: «الصلاةُ على وقتِها»، ومَرَّةً: «الإيمان بالله»..، إلى غير ذلك مِن اختلاف الجوابات التي قال أهل العلم والتحقيق: إن اختلافَ الجوابِ فيها يدلُّ على أنَّه ليس واحدٌ منها يمكن أن يُقَال: إنه هو الأفضل مطلقًا، وإنما يكون كلُّ واحدٍ منها أفضلَ لاعتبار مِن الاعتبارات، فيكون أفضل لحال السائل، أو أفضل لحاجة الناس، أو لغير ذلك مِن الأسباب، وهو ما يُسَمَّى بـ «واجب الوقت»، ولا نقول: إن واحدًا منها أفضلُ مِن غيره مطلقًا إلا الإيمان بالله؛ لأنَّه هو الأصل.
7- وفي الحديث الآخر: «الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ أو: بضعٌ وستونَ -على الروايتين- شعبةً؛ أعلاها قولُ: لا إله إلا الله»، فهو إشارة إلى تفاوت أعمال الإيمان.
فالواجبُ درجاتٌ تبدأ بالأركان، ثم الواجبات، ثم أيضًا المأمورات مِن السُّنَن والـمُسْتَحبَّات، وهكذا، والواجب المقطوع به غير الواجب المظنون، والواجب العينيُّ على أفراد الناس، غير الواجب الكفائيِّ عند جمهور العلماء.
8- يقول النبيِّ ﷺ: «ألا أُنَبِّئُكم بأكبرِ الكبائرِ»، وهو يومِئُ إلى أنَّ المنهيَّات -وهذا مما هو أولى تركُه والابتعاد عنه- درجاتٌ، تبدأُ بالشرك بالله سبحانه وتعالى، ثم أكبر الكبائر، ثم الذنوب الـمُجْمَع على تحريمها، ثم اللَّمَم، ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾.
9- حديث معاذ رضي الله عنه: «إنك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ»، وفيه التدرُّج إلى الدعوة، وحمْل الناس على الخير، وهذا مِن الفقه الرشيد العظيم في الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن الناس إذا حُمِلوا على الواجبات دُفْعَةً واحدةً، فإنَّ هذا يُصَعِّب عليهم الالتزام، ولذلك ربما يكون مِن الحكمة التي تُقْتَبَسُ مِن هذا الحديث في إطار الدعوة إلى الله عز وجل، أنَّ علينا أن نُسَهِّلَ على الناس عمليَّة الالتزام، وأنَّها ليست عمليَّة مُعَقَّدة أو صعبة، أو تقتضي أنَّ الإنسان يقوم بانقلاب على حياته كلِّها، فنقدِّم له شيئًا سهلًا في مُتَنَاوَلِه، وهذا الشيء يكون بدايةً جَيِّدةً يتطوَّر الأمرُ فيها إلى أنْ يُصبِحَ الإنسان مِن الأخيار الفضلاء.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 97-100