في كيفية تناول موضوع الأولويات
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: 19
ذو الحجة 1444ه/ يوليو 2023م
يتم تناول موضوع الأولويات لأمور منها:
أولًا: اتساع ميادين الحياة الزاخرة بالعمل والنشاط والحيويَّة، فقد جعلَ ربُّنا تبارك وتعالى فيها هذه القوَّة، وهذه الروح، وهذا التيار المتدفِّق، وكلُّها ميادين مفتوحة أمام الإنسان في العمل، والدراسة، والتجارة، والعلاقات، والمشاركة، والنشاط، فهذه الميادين واسعة، وعلى الإنسان أنْ يختارَ أَوْلاها وأفضلَها بالنسبة له.
ثانيًا: كثرة الواجبات، فالإنسان أمام واجبات والتزامات متعددة، بعضُها شرعيٌّ، وبعضها حقوقي، وبعضها أدبي، فأيها عليه أن يقدِّمَه.
ثالثًا: ضيق الجهد ومحدوديته، فالكثير مِن الناس لديهم طموحات غير عاديَّة، وأشياء أقرب إلى الوهم والخيال، لكن كلَّما تقدَّم بهم الزمن بدأوا يطرحون على أنفسهم أسئلة جادَّة، وفي النهاية قد يجد الواحد منهم أنه لم يصنع شيئًا أبدًا، بينما لو رتب أولوياته وحدَّد هدفًا واضحًا وصمَد إليه..، أبدع وأنتج، وأعطى ثمرة كبيرة.
رابعاً: ضعفُ رصيدِ التجربةِ لدى الإنسان، فإنَّ العاقل الموفَّق مَن يبدأ مِن حيث انتهى الآخرون، فإذا استطاع أن يأخذَ بعضَ الأساليب والوسائل في اختيار ما هو الأفضل والأَوْلَى، فإنَّ هذا سوف يقصر عليه الطريق.
وإنَّ غياب الوعي بما هو مهمٌّ، هو التزامٌ بشيء غير مهمٍّ، و(نفسك إن لم تشغلْها بالحقِّ، شَغَلَتْكَ بالباطل).
فمن آثار غياب هذا الفقه عن حياة المسلمين اليوم: الاستغراق في الجزئيَّات والتفاصيل، والغفلة عن الكلِّيَّات والأصول والقواعد العظيمة، وهذا داء دويّ ضارب في كل اتجاه.
ففي الجوانب الشرعيَّة قد يستغرق الناس في جدل ومناظرات حول مسائلَ قد تكون في الدرجة الثالثة مِن الأهميَّة، والذي أعرفه مِن واقع الناس وأسئلتِهم واستطلاعاتهم وحواراتهم: أنَّ أكثرَ الجهد الذي يبذلونه، والأسئلة التي يُوَجِّهونها، هي في هذه القضايا الدقيقة الصغيرة التي جُبِلَت النفوسُ على تطلُّبها، والبحث عنها، فيسألون عن أشياء ربما لم يكن هناك مَدْعَاةٌ للسؤال عنها، وهي في دائرة العفو الأصليِّ، أو أشياء أَمْرُها يسيرٌ، ولا تتطلَّب كلَّ هذا الجهد، كما في قصة ابنِ عمر رضي الله عنهما حين قال لبعض أهل العراق: «ما أَسْأَلَكم عن الصغيرة وأَجْرَأَكم على الكبيرة، تقتلون الحسين وتسألون عن دم البعوضة»!
فهذا الكلام يَصْدُق على بعض الناس الذين يتجرَّأ الواحدُ منهم على قضايا ضخمة، بينما يشغَل نفسَه في البحث في جزئيَّات ليس لها كبيرُ أهميَّةٍ.
ومن آثار الغفلة عن ذلك: الاختلافُ والتشاحنُ، حين يكون هناك عدد مِن المجموعات الإسلاميَّة العاملة في الميدان، ولكن اختلفت أولويَّاتهم بحسب الاجتهاد، فيترتَّب على ذلك الصراع والخلاف، وانشغال بعضهم ببعض، والصراع والخلاف يؤكِّدان أنَّ خارطةَ الأولويَّات عندهم غيرُ واضحة؛ لأنها لو كانت واضحةً؛ لأدركوا أنَّ مِن الأولويات تركَ هذا الخلاف الذي لا طائلَ مِن ورائه.
ومن ثمار الغفلةِ عنه: فقدانُ البوصلة التي تُوصِل المرءَ إلى هدفه، وهذا فيه ضياعُ كثيرٍ مِن الجهود، والانحراف عن الأهداف، ويترتَّب على ذلك تَكرار المحاولات دون جدوى..
إنَّ تحديد الأولويَّات يُعين الإنسان على أن يتأكَّد مِن الطريق الذي يريد أن يصل به إلى هدفه، فيحدِّد الهدف بدقة، ويصل إليه مِن خلال أقرب الطرق الممكنة، بعيدًا عن التعرُّجات والتأخُّر.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 95-97