كيف نحدِّد الأولويَّات؟
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة"
مع الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: 21
ذو الحجة 1444ه/ يوليو 2023م
أولًا: بالتفكير والنظر، فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى رَزَقَنا هذه العقولَ وتَعَبَّدَنا بأنْ نُعْمِلَها، قال أهل العلم: إنَّ الشريعة جاءت بالمصالح كلِّها ودَفْعِ المفاسدِ كلِّها.. فمدار الشرع على تحصيل المصلحة ودفع المفسدة، وهذا باتفاق العلماء، وقد نصَّ عليه مَن كتبوا في الأصول كالشاطبيِّ والغزاليِّ وابنِ تيمية وابنِ القَيِّم وابنِ عبد السلام وغيرهم.
فالشريعة جاءت؛ لتحصيل المصالح، وقد أشار العزُّ بن عبد السلام إلى أنَّ المصالِحَ والمفاسِدَ تُعْرَفُ بالعقل، فكثير مِن المصالح الدنيويَّة، ينظُر فيها الإنسانُ فيُدْرِك أنَّ فيها خيرًا ومصلحةً، أو أنَّ فيها ضرراً ومَفْسدةً. والكلام فيما لم يَرِدْ فيه نصٌّ شرعيٌّ بتحريم أو إيجاب.
وإعمال الفكر والعقل في معرفة المصالح والمفاسد، وخير الخيرين وشرِّ الشَّرَّين، هو مِن أعظم الفقه، ومِن أوسع العلم، وهو يحتاج إلى الخبرة والتدريب.
وكثير منَّا تسيطر عليهم الأعمالُ أكثر من التفكير، فنحن تَدَرَّبنا على أن نعملَ؛ لكن لم نتدرَّبْ على أنْ نفكِّر.
فأن يَدْرُس الإنسان، ويفكِّر في نتائج العمل الذي قام به وآثاره وإيجابيَّاته وسلبيَّاته، أمر مطلوب، وليس صحيحًا ما نردِّده من أن علينا العمل، وليس علينا النتائج، بل الصحيح: أننا تُعِبِّدْنا بالبحث عن المصالح، فإن لم نجد في العمل نتائجَ إيجابية، فإننا نُعِيد النظرَ فيه، فعلينا أن نُعْمِلَ التفكيرَ في تحديد الأولويَّات والنظر فيها.
ثانيًا: المشاورة والحوار، فبالتجربة يتبيَّن أنَّ عقلًا واحداً ليس كعقلين، وأنه يقع بالحوار تصحيح للأفكار والنظرات.
ومَن شاور الرجال شاركها في عقولها، ولا يستطيع الإنسان أن يستبدَّ بمعرفة المصلحة والـمَفْسدة والأَوْلَى، لكنَّه يستطيع أن يستفيد مِن الآخرين.
ثالثًا: التأنِّي بحسب الأهميَّة، فالعَجَلَةُ ربما تخطف الإنسان عما هو أَوْلَى وأصوب.
وكثير مِن القضايا تحتاج إلى طول النَّفَس، فأعطِها وقتًا، فقد تنفتح لك فيها أبواب، فإذا فَكَّرَ الإنسانُ في مسألة، ولم يتبيَّن له فيها شيء، فأَجَّلها وأعطاها وقتها من التأمل، نشط عقله وذهنه، وانجلى الضباب الذي يُلَبِّس عليه.
رابعًا: الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص، فيما يحتاج إلى متخصصين يُعنون بتوضيح الأمر وتحديد الأولوية.
وأخيرًا وهي جديرة بأن تكون الأُوْلَى: الاستخارة، فإنَّ النبيَّ ﷺ أرشد أن الإنسان إذا همَّ بالأمر صلَّى ركعتين -كما في حديث جابر رضي الله عنه في البخاري- واستخار اللهَ تعالى بعلمِه، واستقدَره بقُدْرَتِه، وسأله مِن فضلِه؛ أن يدلَّه على ما هو الخير والأرشد في الأمر الذي يتوجَّه إليه.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 101-102