تأملات في الآية الكريمة
﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾
الحلقة: 33
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1445ه/ يوليو 2023م
والإشارة في قوله: ﴿وكذلك﴾ إلى ما دلت عليه الرؤيا من العناية الربانيّة به. أي: ومثل ذلك الاجتباء يجتبيك ربك في المستقبل. والاجتباء: الاخيار والاصطفاء.(1)
واختارك سبحانه وتعالى، لتكون خالصاً لله تعالى. والإشارة إلى ما تضمنته الرؤيا، أي كهذه الرؤيا الّتي سجدت لك فيها الكواكب والشمس والقمر، يختارك الله تعالى لتكون نبيّه.(2)
وقد علم يعقوب- عليه السلام - ذلك بتعبير الرؤيا ودلالتها على رفعة شأنه في المستقبل، فتلك إذا ضُمت إلى ما هو عليه من الفضائل آلت إلى اجتباء الله إياه، وذلك يؤذن بنبوءته. وإنّما علم يعقوب عليه السلام أن رفعة يوسف عليه السلام في مستقبله رفعة إلهية لأنّه علم أن نعم الله تعالى متناسبة فلما كان ما ابتدأه به من النعم اجتباء وكمالاً نفسياً تعيّن أن يكون ما يلحق بها، من نوعها ثمّ إنّ ذلك الارتقاء النفساني الّذي هو من الواردات الإلهيّة غايته أن يبلغ بصاحبه إلى النبوءة أو الحكمة، فلذلك علم يعقوب عليه السلام أن الله سيعلّم يوسف عليه السلام من تأويل الأحاديث، لأن مسبب الشيء مسبب عن سبب ذلك الشيء، فتعليم التأويل ناشئ عن التشبيه الّذي تضمنه قوله: وكذلك، ولأن اهتمام يوسف عليه السلام برؤياه وعرضها على أبيه دل أباه على أن الله أودع في نفس يوسف عليه السلام الاعتناء بتأويل الرؤيا وتعبيرها. وهذه آية عبرة بحال يعقوب عليه السلام مع ابنه إذ أشعره بما توسمه من عناية الله به ليزداد إقبالاً على الكمال بقوله: ﴿ويتم نعمته عليك﴾.(3)
وفي خطاب يعقوب عليه السلام لابنه: ﴿وكذلك يجتبيك ربك﴾، التركيز على أن يتعلق ابنه بربّه سبحانه وتعالى ولذلك قال: ﴿ربك﴾: الّذي هو مربّيك بالتدبير وأصناف النعم وإصلاح قلبك والارتقاء بروحك وأخلاقك، ومدبّر أمرك في شؤونك كلّها فالله سبحانه وتعالى رب كلّ شيء، وخالقه ومليكه والقادر عليه، والمتصرف في جميع أموره وبهذا فإنه لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السماوات والأرض عبد له في حقيقته، وتحت قهره فهو المحي والمميت والرزّاق الكريم.(4)
مراجع الحلقة الثالثة والثلاثون:
1 التحرير والتنوير، مرجع سابق، (5/641).
2 زهرة التفاسير، محمّد أبو زهرة، مرجع سابق، (7/3799).
3 التحرير والتنوير، مرجع سابق، (5/641).
4 ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز الجليل، بدون طبعة، ص 91.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي