تأملات في الآية الكريمة ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾
الحلقة: 32
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
فالشيطان يُوغر صدور النّاس بعضهم على بعض، ويزين لهم الخطيئة والشر.(1)
ولقد أبرزت قصّة آدم عليه السلام ما جرّه الشيطان للإنسان من شر ووبال وما يضمره الشيطان في نفسه للإنسان من كره شديد.(2)
وهذه العداوة معروفة لنا تماماً، لأنّه خرج من الجنة ملعوناً مطروداً، عكس آدم الّذي قبل اللهُ توبته، وقد أقسم الشيطان بعزّة الله ليغويَنّ الكل، واستثنى عباد الله المخلصين؛ ولذا يقول الرسول الكريم ﷺ: "لقد أعانني الله على شيطاني فأسلم".(3) ونحن نقرأ القرآن، نجد إحاطة الشيطان بالإنسان فيه يقِظة: ﴿ثمّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 17].
ولم يأت كر للمجيء من الفوقيّة، أو من التحتيّة لأنّ من يحيا في عبودية تحتيّة، وعبودية فوقيّة، لا يأتيه الشيطان أبداً.(4)
قال أبو السّعود - رحمه الله – في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يوسف: 5]؛ ظاهرُ العداوة فلا يألو جهداً في إغواء إخوتِك وإضلالِهم وحملهم على ما لا خيرَ فيه وهو استئنافٌ، كأن يوسف عليه السلام قال: كيف يصدر ذلك عن إخوتي الناشئين في بيت النبوّة؟ فقيل: إنّ الشيطان يحمِلهم على ذلك.(5)
وقال محمّد رشيد رضا (رحمه الله) في قوله تعالى: ﴿عدو مبين﴾ ظاهر العداوة بيّنها لا تفوته فرصة لها، فيضيعها. هذا بيان مستأنف للسبب النفسي لهذا الكيد، وهو أنّه من وسوسة الشيطان في النزغ بين النّاس عندما تعرّض له داعية من هوى النفس، وشرها الحسد الغريزي في الإنسان.(6)
ودليل ذلك قوله ﷺ: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم".(7)
بيّن يعقوب عليه السلام لابنه يوسف عليه السلام بأنّ ﴿الشيطان للإنسان عدو مبين﴾؛ أي: أن أعمال الكيد الّتي يقوم بها النّاس، قريبهم وبعيدهم تجاه الحقّ والصدق والتقوى، إنّما الشيطان هو بطلها الحقيقي. ولذلك تجد الشيطان في هذه القصّة حاضراً في كلّ مواطن التأزم والكيد والمكر، وفي تسلسل الحوادث، وغير خاف أن السّرج الّذي يركبه الشيطان من الإنسان هو - في الأعم الأغلب - النفس.(8)
وهكذا يبرز الشيطان من وراء الستار في الأدوار الآتية:
- مكر الإخوة.
- كيد النّسوة، وعلى رأسهن امرأة العزيز.
- محاولة إبقاء يوسف في السجن.
مراجع الحلقة الثانية و الثلاثون:
في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، (4/1971).
2 سورة يوسف، د. أحمد نوفل، مرجع سابق، ص 276.
3 تفسير الشعراوي، مرجع سابق، (11/6853).
4 المصدر السابق نفسه، (11-5854).
5 تفسير أبو السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)، أبو السعود العمادي، ، (4/53).
6 تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم)، محمد رشيد رضا، (12/254).
7 أخرجه مسلم، مرجع سابق، رقم: 2812.
8 في التذوق الجمالي لسورة يوسف، محمد علي، ص 72.
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي