(في معنى الموازنة النفسيَّة وسبل تحقيقها)
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الرابعة و الثلاثون
من الجيِّد لك أنْ تحاول الاسترخاء، والتأمُّل قليلًا في هذه الحياة، وأنْ تبتهج بأحداثها ومعادلاتها؛ حتى لو استدعى ذلك أن تعود قليلًا للوراء خطوة أو خطوتين..
يقول الله جل وعلا: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾.
ليس خطأ أن تُجَرِّب الابتعادَ عن روتينك اليوميِّ المكرور، مِن أجل تفعيل اهتمامات جديدة وتنشيطها؛ لتعود عليك بالهدوء النفسيِّ، والاندماج العاطفيِّ مع ما حولك، ومَن حولك، حتى وإن كانت حديقةً صغيرة تضِجُّ بالحياة والتجدُّد، أو قطرات ندى تتساقط على ورقة، أو نغمات عصفور يُغَرِّد في الصباح، وهو يستقبل يومًا جديدًا مُشْرِق الألوان، أو كلمات بائع متفائل يستقبل الحياة برضا وثقة وتوكُّل على رازق الحيَّات في جحورها والطيور في وكورها.
وليكن بمقدورك أن تفهم إشارات جسدك واحتجاجاته، وصرخات شرايينك، وهي تنادي بالحذر من الإرهاق والعناء، يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾، ويقول جلَّ وعلا: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
فلا تُنْهِكْ ذاتك، ولا تحمِّلْها ما لا تطيق؛ فإن لجسدِك عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا.
إنّ قالَبَ البشريَّة أكثرُ استيعابًا وأريحيَّة لأجسادِنا وعقولِنا مِن تلك الطموحات الملائكيَّة، والأحلام الخياليَّة؛ فالقاعدة أكثر ثباتًا وأينع ثمرةً من الاستثناءات.
ويحسن أن تترُكَ في عقلِك ساحةً خاليةً؛ تحسُّبًا لما لا يُتوقَّع؛ فقد يفيدك هذا في وقت ما..
ولتكن مستعدًّا لقبول العقبات التي تواجهك؛ إذ لا بدَّ منها لكلِّ سائر في الطريق، أي: لكلِّ حيٍّ.
إن النجاح الممتع هو ذاك الذي يجعل بمقدورك أن ترى فيما تحصل عليه أفضل ما في الحياة، فتمنح نفسَك حمايةً داخليَّة مما قد يمنعه عنك المستقبل الغامض.
وإنَّ ذلك لكفيلٌ بأنْ يُضْفِي عليك هالةً جميلة تضيء لأناس قد لا تشعر بهم أبدًا، وهم يسيرون خلفك، أو في رِكابِك، أو يقتبسون من نورك.
دعْ عنك جَذْبَ النفس ودَفْعَها مِن الاندماج مع مَن هم دون مستواك؛ فلكلٍّ منَّا سماتٌ خاصَّة يتفرَّد بها، وهي التي تميَّزه عن سائر الناس، وبالتالي قد تقتبس أنت مِمَّن هم دونك وَهَجًا يمنح ملامحَك نَسَمَاتٍ روحانيَّة، أو يوقِد لك النارَ التي تُشْعِل مصابيحَك، وكم هو حيٌّ ومؤثِّر أن تظَلَّ متعلِّمًا في جميع أطوارِك دون ترفع ولا كبرياء!
لست بحاجة إلى أن تقضِيَ حياتَك في خطوات سريعة متلاحقة، أو في استقصاء مُجْهِد لتشعُّبات الحياة وصورها ومعانيها.
إن قليلًا من الفطرة التلقائية يمنَحُك كمًّا يفوق الوصف من المعاني والدروس، وهكذا هي الحياة تغدو سهلة ليِّنة سمحة، حين نتعاطاها بروح العفويَّة.
ولو تفكَّرتَ.. لوجدتَ أنَّ إطالة التأمُّل والنظر والْحَيْرة أكثر من اللازم، قد تَحِيد بك عن المعنى الصحيح إلى المعنى الخاطئ.
آمِنْ بأنَّ الحياةَ لغز ممتع، وزِدْ إيمانَك صلابةً بأنَّ أيَّ حدثٍ سيِّئ سيبزُغ منه حدثٌ إيجابيٌّ متى ما كنتَ صبورًا ومستعدًّا لمواصلة الهدوء والمرابطة.
ليس عليك أن تكون ساذجًا لتمرَّ من خلالك السلبيَّات وتجتازك، بل الحقُّ أنَّ أكبرَ السلبيَّاتِ هي اعتقادُك بأنَّك يمكن أن تمرَّ عبر دروب الحياة دون أن تتعرَّض لهزَّات، أو تواجه مرتفعاتٍ حينًا، ومنخفضاتٍ حينًا آخر..
دواؤُك فِيـكَ ومَا تَشْعُــرُ وداؤكَ مِنْـكَ ومَا تُبْصِــرُ
وتحسَبُ أنَّكَ جرْمٌ صَغيرٌ وفِيْكَ انْطَوى العَالَمُ الأكْبَرُ
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾.
ويقول رسول الله ﷺ: «عَجَبًا لأَمْرِ الـمؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَـمَّا رَأى الـمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 118-119