الأربعاء

1446-06-24

|

2024-12-25

 

إنَّ الهداية بيد الله عز وجل، من شاء الله أن يهديه هداه ، ومن شاء أن يضله أضله، ويقذف الله سبحانه وتعالى الهداية في قلب عبد من عباده، وقد تكون عقب أمرٍ من الأمور، فبعض الناس  يهتدي من خطبة أو موعظة، أو دعاء تراويح، أو بعد حجٍ أو عمرةٍ، وبعضهم يهتدي لرؤيا يراها أو حادث يصيبه أو مصيبة كفقد وظيفته، أو موت قريبٍ، وبعضهم يهتدي بمرافقة الرفقة الطيبة، وبعضهم يكون مهتدياً من صغره، لتربيةٍ طيبةٍ في البيت.

وأسباب الهداية كثيرة والتي يجعلها الله سبحانه وتعالى سبباً لدخول هذا النور إلى قلب العبد، ومنها:

  1. المحافظة على الفطرة الإنسانية نقية صافية:

الفطرة الإنسانية مفطورة على الإقرار بالله وإفراده بالربوبية والألوهية، فالنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالألوهية محبة له، متعبدة، لا تشرك به شيئاً.

فالإقرار بالله هو أرسخ المعارف، وأثبت العلوم، وأصلح الأصول، قال تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَاتَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (الروم : 30 ـ 31)  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكون أنتم تجدعونها”، “ثم يقول أبو هريرة: ” فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ”(الروم : 30) .

  1. استعمال السمع والبصر والعقل:

إن الله عز وجل وهب الإنسان هذه النعم وأمتن عليه بها، وذلك لما لها من غايات سامية، منها النظر والتفكر في آيات الله المرئية، والاستماع والتدبر في آيات الله المسموعة .وقال تعالى: “وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل : 78) .

وقد جعل الله الإنسان مسؤولاً عن استعمال هذه الملكات والمواهب وعن حسن توجيهه لها إلى ما خلقت له، قال تعالى: “وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً” (الإسراء : 36) .

  1. العلم:

ومن أسباب الهداية حسب سنته سبحانه وتعالى: العلم، وقد كانت أول آية نزلت في القرآن الكريم في الدعوة إليه ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” (العلق : 1) . وتوالت آيات القرآن الكريم بما يضيق المجال عن حصره في الدعوة إليه بيان فضل العلماء. قال تعالى: ” وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا” (طه : 114) . وقال تعالى: ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” (المجادلة : 11).

  1. الإيمان:

إن في كل ذرة من ذرات هذا الوجود، وفي كل كائن من الكائنات لآية باعثة على الهدى، وإن في ذلك التنسيق البديع والتوافق بين سائر الكائنات لتوائم حياة الإنسان وسعادته فوق الأرض لآيات وآيات كثيرة تبعث على الاهتداء إلى الحق وإن في القرآن الكريم وما حوى من دلائل وبينات وما جاء فيه من موعظة وآيات تحيي القلب وتشفي الصدور وتهدي إلى الحق والصراط المستقيم.

وقد جاءت آيات كثيرة تبين أن المؤمن هو الذي ينتفع ويستفيد من الذكرى ومن هدى القرآن، ومن الآيات الباعثة على الهدى في هذا الكون: قوله تعالى:”طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ” (النمل: 1 ـ 2) . وقوله تعالى:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” (يونس: 57) .

  1. الاهتداء:

من أسباب الهداية المؤدية بالعبد إلى مزيد الهدى والتثبيت على الصراط المستقيم: اهتداؤه إلى الإيمان، والإتيان بأسبابه، فإذا فعل العبد ذلك، هداه الله بأن خلق فيه المشيئة المستلزمة للفعل، وألهمه ووفقه لطاعات وزاده هدى وتوفيقاً، وأعانه وهو ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، كما يزيد الذين ظلموا زيادة ضلال. قال تعالى: قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا” (مريم : 175) ، وهو من باب الجزاء من جنس العمل.

  1. الدعاء:

إن من أسباب الهداية حسب سنته سبحانه وتعالى أن يسأل العبد ربه ذلك لأن ما يستطيعه العبد هو فعل الأسباب، وأما ما تحقق النتيجة وهي الهداية إلى الصراط المستقيم، والإعانة والإلهام والتوفيق والتثبيت على الحق، فهي من شأن الله وفعله، لا يقدر على ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، فالعبد إذا فعل الأسباب التي يقدر عليها سأل الله ما لا يقدر عليه وهو الهداية.

إنّ سؤال العبد لله سبحانه وتعالى بالهداية هو من الدعاء الذي وعد عليه بالاستجابة، كما في قوله تعالى: ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” (البقرة : 186) .

  1. الاعتصام بالله:

من بين الأسباب التي رتب الله سبحانه وتعالى عليها الهداية لعباده، حسب سنته تعالى في الهداية والإضلال: الاعتصام بالله وهو الامتناع بالله والالتجاء والفزع إليه والتوكل عليه في دفع شرور الكفار التي تؤدي بالمؤمنين إلى الضلال الذي يريده الكفار من المؤمنين  عامّة في قوله:” وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ” (النساء: 89) . واليهود خاصة كما ورد في قوله:” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”(آل عمران : 99) .

  1. الخشية:

ومن أسباب الهداية حسب سنته سبحانه وتعالى، خشية الله عز وجل والخوف منه، فإن خشيته عز وجل تجعل صاحبها أكثر من غيره استعداداً للتذكر إذا وعظ وذكر، وللاعتبار بما يرى من آيات الله في الكون والحياة وما تجري به سنته في أحداث التاريخ، وللانتفاع بالإنذار بعذاب الله في الدنيا والآخرة، والاهتداء إلى الحق إذا هدى إليه وآيات القرآن الكريم توضح هذه الحقائق أكمل توضيح، حتى أنها لتصور لنا ما يعتري الخائفين من الله إذا سمع آيات الهدى تتلى عليهم: قال تعالى: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ” (الزمر : 23 ) .

  1. الإنابة إلى الله :

ومن أسباب الهداية التي جعلها الله سبباً في زيادة الهدى لأصحابها، إنابة العبد إلى الله، إنابة عبودية ومحبة وهي تتضمن أربعة أمور: محبته والخضوع له، والاقبال عليه والإعراض عما سواه. قال تعالى:”هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ” (غافر: 13) .

  1. البراء من الكافرين:

ومن الطاعات التي خصص الله سبحانه وتعالى ذكرها وجعلها سبباً في زيادة هدى أصحابها، البراءة من الكافرين بالبعد عنهم والخلاص منهم والعداوة لهم وعدم موالاتهم بالتقرب إليهم أو إظهار الود لهم بالأقوال أو الأفعال أو النوايا، قال تعالى: “لَاتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ  الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا  عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (المجادلة : 22) .

  1. الجهاد في سبيل الله :

ومن أسباب الهداية الجهاد في سبيل الله، فقد رتب سبحانه وتعالى الهداية على الجهاد، وجعله سبباً من أسباب زيادة الهدى، قال تعالى: ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” (العنكبوت : 69) . علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً.

 

 

 

 

مراجع البحث:

  1. د. علي محمد محمد الصّلابيّ، الإيمان بالقدر، دار ابن كثير، بيروت، ص (105: 123).
  2. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية – مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1425ه – 2004م، (8/ 205 – 206) .
  3. د. شريف الشيخ صالح أحمد الخطيب، السنن الإلهية في الحياة الإنسانية وأثر الإيمان بها في العقيدة والسلوك، الدار العثمانية، عمان. الأردن، الطبعة الأولى، 2004م، (1/ 209- 241 – 246 – 258 ) .
  4. ابن قيم الجوزية، شفاء العليل في مسائل القدر والحكمة والتعليل، دار التراث، القاهرة، ص 74.
  5. ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين، دار الكتاب العربي، الطبعة 7، 1423 – 2003م، (1/ 461) .
  6. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة، ط2، 1420 – 1999 م، (1 / 378) .
  7. محمد قطب، منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، القاهرة، الطبعة 4، 2011م، (1/ 77).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022