إضاءات في فقه الأزمات
اقتباسات من كتاب "فقه الحياة"
لمؤلفه الدكتور سلمان العودة
الحلقة: 40
منذ طفولتنا ونحن نتلقَّن ونتلقَّى شِعرًا ونَثْرًا، وحديثًا عامًّا وخاصًّا.. يتحدَّث عن معاناةٍ تعيشها الأمَّة..
وأوَّلُ أزمةٍ في الحياة البشريَّةِ ربما كانت هبوط آدم إلى الأرض، فهذه كانت مِحْنَةً ابتُلِينا بها، ثم مقتل ابن آدم الأول، كما قصه الله تعالى في القرآن: ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِن الآخَرِ﴾.
فالحياة بطبيعتها مسكونة بالأزمات، وليست الأزمة شيئًا طارئًا؛ لكنها قد ترتفع أو تنخفض وتيرتُها، أو تزيد أو تنقص.
إنه لا بد من مواجهة الأزمات، ولا بدَّ من المكاشفة والمصارحة بشأنها، أمَّا التهرُّبُ منها، والاكتفاء باالإطراء الكاذب؛ فذاك من أهمِّ أسباب تخلُّفنا، فإننا طالما حاوَلْنا أن نسكِّن أنفسَنا بألوان من الثناء على نجاحاتنا أفراداً وجماعات ومؤسسات ودولًا، وهذا ربما أَغْفَلَنا عن الوصول إلى الأزمة التي نعيشها.
إنَّ كلَّ الأُمَمِ تعيش أزمات، فأمريكا -مثلًا- تعيش أزمات كبيرة جِدًّا.. أزمات سياسيَّة، واقتصاديَّة، وعسكريَّة، إلى غير ذلك..
والدولة العبريَّة المغروسة في جسد الأمَّة الإسلاميَّة تعيش أزمات أيضًا، لكن الفرق بين أزماتنا وأزماتهم، أن أزماتنا -معاشر المسلمين- ناتجة عن فائض الضعف لدينا، لكن أزماتهم ناتجة عن فائض القوَّة عندهم.
فإسرائيل مع غربتها عن المحيط حولها وحداثة وجودها، وفي مخالفتها لكلِّ ما حولها أخلاقيًّا، وقيميًّا، وتاريخيًّا، وسياسيًّا، وغير ذلك، إلا أنها تملك سُدْسَ الناتج القوميِّ العربيِّ، ودَخْل الفرد فيها ما بين 16إلى 18 ألف دولار سنويًّا، بينما المواطن العربي معدل دخله 2500 دولار فقط.
كما تتفوَّق على العرب مجتمعين أكثر من عشر مرَّات في عدد العلماء المتخصِّصين.
- وتتفوَّق ثلاثين مرَّة في حجم الإنفاق على البحوث والدراسات والتطوير.
- وتتفوَّق بسبعين مرة فيما يتعلَّق بالنشر العلميِّ.
- وتتفوَّق ألف مرة فيما يتعلَّق بالاختراع.
- وتتفوَّق بنسبة 80% فيما يتعلَّق بالمشاركة السياسية لشعوبها ومواطنيها.
فأَزَمَاتُنا ناتجة عن ضعفنا العسكريِّ السياسيِّ الاجتماعيِّ العلميِّ المعلوماتيِّ.. بينما هم على النقيض.
إن الهدف من هذا الحديث هو: العمل على تصحيح التعامل مع الأزمات، وإعادة النظر في الأساليب والطرق التي نسلكها في معالجة أزماتنا، سواءً كانت شخصية أو أُمميَّة، والمقام يقتضي الوضوح والمصارحة، فالمقام مقام تعديل وتصحيح، وليس مقام إطراء ومديح.
وإن الحديث عن الأزمات خطوة صحيحة في طريق العلاج.
إن هناك ما يعرف بالمصلحة الشرعيَّة، وهذه المصلحة الشرعيَّة تُعْرَف بالعقل، فيجب ألاَّ يكونَ عندنا موقف عدوانيٌّ من العقل، أو نظنُّ أن العقل والشرع متعانِدان، بل العقلُ نصيرُ الشرع ووزيرُه، وما أَمَرَ اللهُ تعالى بشيء إلاَّ ودلَّ العقل على فضيلته، وما نهى الله تعالى عن شيء إلا ودلَّ العقل على ضرره وفساده، وقبل ورود الشرع؛ فإن الإنسان بالعقل يعرِف المصلحة، وهكذا بعد ورود الشرع إلا فيما ورد النصُّ به.
• عندما يكون عند الإنسان خيارات متعدِّدة في الزواج، فكيف يعرف أيُّها أفضل؟
• وعندما يكون عنده خيارات متعدِّدة في الدراسة، فكيف يعرف أيُّها أحسن؟
• وعندما يكون عنده صفقات تجاريَّة متعدِّدة، فكيف يعلم أيُّ هذه الصفقات أفضل له؟
إنما يعلم ذلك من خلال إعمال العقل، والتفكير، والخبرة، والقياس، فينبغي أن يُدْرَك أن العقل هادٍ ودليل، ومرشد، وأن العاطفة وحدها بدون العقل تَضيع، فلا بدَّ لها مِن عقل يعقِلها، ويلجمها، ويقيِّدُها.
إن من المصلحة أنْ نتربَّى على الجانب الإيجابيِّ، وليس على الجانب السلبيِّ، وأنْ نتربَّى على البناء، وليس على الهدم، وأنْ نتربَّى على الصِّلة، وليس على القطيعة، وأنْ نتربَّى على الفعل قبل أن نتربَّى على رِدَّة الفعل.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 157-159