الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

(في معنى الموازنة في تعدُّديَّةِ الانتماء)

اقتباسات من كتاب "فقه الحياة"

لمؤلفه الدكتور سلمان العودة (فرج الله عنه)

الحلقة: 39

 

والمقصود بذلك الموازنة في الإنتماء بين حقِّ الأسرة، وحقِّ الجماعة، وحقِّ المجتمع، وحقِّ الوطن، وحقِّ القُطْر، وحقِّ القبيلة، وحق المذهب، فلا يُلغَى شيءٌ منها، ولا يُوغَل في تحقيقه بما يجور على سواه، ولا يعتبر الانتساب لشيء منها مما هو مُباح، نقضًا لانتساب آخر هو مُباحٌ أو مطلوبٌ أيضًا.

وأخيرًا: الموازنةُ بين الواقع والتعامل الإيجابيِّ مع مُتَغَيِّراته ومُتَطَلَّباته وحوادثه، وبين التاريخ الملهم.

فمِن غير الصواب أن يعيشَ قومٌ في التاريخ، وكأنَّه لا يربطُهم بواقعهم شيءٌ، أو أن يفهموا بعضَ حوادث التاريخ ووقائعه أكثرَ مما يفهمون سياقات الحال القائم بينهم، أو أن يتغنَّوا بالتاريخ، وكأنَّ هذا التغنِّي هو الإنجاز الذي يَقْدِرونه ويستطيعونه، أو أن يُدخِلوا التاريخ في مقارنات مع واقع الشعوب المختلِفة، فإذا جاءتنا تلك الشعوبُ بإنجازاتها المشهودة، وعِلْمِها الآني، وحضارتِها القائمة.. جئناهم بشواهد التاريخ، واعتقدْنا أنَّ الفلج من نصيبنا:

لَسنا وَإِنْ أَحسابُنا كَرُمَـتْ ** يومًا عَلى الأَحسابِ نَتَّكِلُ

نَبني كَما كانَــتْ أَوائِلُنــا ** تَبني وَنَفعَلُ مِثلَ ما فَعَلوا

بل ومِن التوازنِ: التوازنُ بين التاريخ والواقع مِن جهة، وبين المستقبل المنشود مِن جهة أخرى، فإنَّ استشرافَ المستقبل علْمٌ وضرورةٌ وديانة، والسعيُ والتخطيط مَطْلَبٌ، والتفاؤل الـمُشْرِق هو الحادي، وليس يصحُّ أنْ تأخذَنا الهمومُ اليوميَّة والمشكلات التفصيليَّة عن الأمل الصادق ببناء نهضة تُجَدِّد مَجْدَ الأُمَّة، وتُقِيلُها مِن عَثرتها، وترسم لها دورَها الضخم على رأس القائمة، لا استفرادًا ولا إقصاءً، ولكن حضورًا ومشاركة وجدارة.

إنَّ هذه النظرة الثلاثيَّة المتوازنة (التاريخ- الحاضر- المستقبل) مِن شأنها أن تربِطَنا بأُسسنا الحضاريَّة والقيميَّة والأخلاقيَّة التي تُمَيِّزنا عن سوانا، وأنْ تجعلَنا أمام تجربة تاريخيَّة سامقة، تدلُّ على القدرة والإمكان، وأن ما حدث مرَّة يمكن أن يحدث مرَّات، وترفع عنا حالة الإحباط واليأس والقنوط التي يصنعها الواقعُ الأليمُ، وتفتح آفاقَ الإبداعِ والتجديد والتطلُّع للمعرفة والتصنيع والمشاريع التي تتمحور حولها همومُ المخلصين وآمالهم، وتمنحُنا الثقة بالإله العظيم الذي إذا أراد شيئًا يَسَّر أسبابَه، لا إله إلَّا هو، ولا ربَّ سواه..

 

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 124


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022