(من أهم أخلاقيات الأزمة)
من كتاب "فقه الحياة"
لمؤلفه الدكتور سلمان العودة
(فرج الله عنه)
الحلقة: الثانية والأربعون
إن الأزمات تُخْرِجُ سوءات النفس البشريَّة، ولهذا كان من دعاء النبيِّ ﷺ: «ونعوذ بالله من شرور أنفُسِنا، وسيئاتِ أعمالنا».
فهي تُرَبِّي الإنسان على التعصُّب، والهوى، والاندفاع، والتوسُّع في التأويل والكذب والعدوان والبغي، بل أحيانًا القتل بأوهى الْحُجَجِ، والباحثون في الأزمة وأخلاقِها وفقهها، عُنوا بذلك كثيرًا، فمن أخلاقيات الأزمة:
الأول: الصبر:
كما قال عمر رضي الله عنه: «وجدنا خيرَ عَيْشِنا بالصبر».
والصبرُ ضروريٌّ للحياة كلِّها: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
وضروريٌّ للأشياء الميؤوس منها؛ حتى نتكيف معها، ونصبر عليها، فمن استيقظ ووجد نفسَه مشلولًا يحتاج إلى جرعات من الصبر؛ حتى يتكيف مع هذا الوضع الجديد الذي لم يتعوَّد عليه، حتى يأذنَ اللهُ له بالعافية، أو يَظَلَّ كما هو؛ لكنه يعيش حياتَه برِضا، فنحتاج إلى الصبر على الأشياء التي نيأس منها.
والصبر أيضًا للأشياء المقدور عليها، والتي تحتاج إلى محاولة، فتحتاج إلى أن تصبرَ في طلب العلم، وفي الزواج، وفي العمل، وفي طلب الرزق، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وكما قيل:
أَخْلِقْ بذي الصَّبْرِ أن يحظى بحاجتهِ ** ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبوابِ أن يَلِجا
الثاني: الحلم والهدوء:
وقد أثنى النبيُّ ﷺ على أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ بقوله: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّـهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ».
وأثنى عمرو بن العاص رضي الله عنه على الروم، وبيّن أنَّ مِن أسباب خلودِهم وبقائهم وسيطرتهم: أنَّهم أحلمُ الناس عند فتنة. والْحِلْمُ يعني: أن الإنسان يملِك قواه العقليَّة عند الهيجان والغليان والاضطراب، بحيث يستطيع أنْ يحاكمَ الأشياءَ بطريقةٍ صحيحةٍ.
ومن الحلم: التَّوقُّف في إبداء الرأي حين لا يكون من تخصص المتحدث ولا مما يحسنه، فبعض الإخوة يرون أنَّه لا بدَّ أن يكون لهم رأيٌ في كلِّ مسألة! وهذا مُتَعَذرٌ لأكابر العلماء والفقهاء، فضلًا عن غيرهم..
فينبغي للإنسان أن يسكت عمَّا لا يعلم، وأنْ يتربَّى على أنَّه لا يلزم أنْ يكون له في كلِّ مسألةٍ رأيٌ واختيار؛ حتى لو كان عالمًا أو فقيهًا فإنه يتوقَّف، بل إن النبيَّ ﷺ لـمَّا سُئِلَ: ما أفضلُ البقاعِ؟ قال: «لا أدري حتى أسألَ جبريل». ولما سأل جبريلَ قال: لا أَدري حتى أسألَ ربَّ العِزَّةِ! وما مِن أحدٍ مِن العلماء والصحابة إلا تَوَقَّف في مسألةٍ أو مسائل.
الثالث: التسامح والإعراض:
فإن الناس تربَّوا على الانتقام والعصبيَّة، وأن يثأرَ الواحدُ الثأر العربيَّ القديم، ويرى أن التسامحَ والعفو دليل على الضعف، بينما التعليم النبوي يقول: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 162-164