السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

السؤال

إذا أمر الوالدان بفعل المكروه فهل أطيعهم؟

 

الجواب

الحمد لله.

طاعة الوالدين واجبة في غير معصية الله تعالى ، إذا كان ما يأمران به فيه منفعة لهما ، ولا ضرر فيه على الولد .

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840)، ورواه الإمام أحمد في "المسند" (2/318) بلفظ: لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية ، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه" انتهى .

ولا شك أن المكروه وإن كان تركه أفضل؛ إلا أنه ليس بمعصية يأثم العبد بها، لكن حكم الشرع على الشيء بالكراهة يشير إلى أن فيه نوع مفسدة، وأن كمال صلاح العبد بمجانبة هذا المكروه.

فالوالد إذا أمر ولده بأمر ثبتت كراهته شرعا، فعلى الابن أن يجتهد في تقديم الأقل مفسدة، والأكثر مصلحة، فيوازن بين المصالح والمفاسد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وتمام "الورع" أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك، من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية، فقد يدع واجبات ويفعل محرمات " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/512).

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" ضبط الواجب من الطاعة لهما، والمحرم من العقوق لهما: فيه عسر، ورُتَبُ العقوق مختلفة.

قال شيخنا الإمام أبو محمد ابن عبد السلام: ولم أقف في عقوق الوالدين، ولا فيما يختصان به من الحقوق، على ضابط أعتمد عليه. فإن ما يحرم في حق الأجانب: فهو حرام في حقهما، وما يجب للأجانب: فهو واجب لهما فلا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به، ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء...

والفقهاء قد ذكروا صورا جزئية، وتكلموا فيها ‌منثورة، لا يحصل منها ضابط كلي؛ فليس يبعد أن يسلك في ذلك ما أشرنا إليه في الكبائر، وهو أن تقاس المصالح في طرف الثبوت بالمصالح التي وجبت لأجلها، والمفاسد في طرف العدم بالمفاسد التي حرمت لأجلها " انتهى. "إحكام الأحكام" (2 / 295 – 296).

وجاء في "الشرح الصغير على أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك" (4/740):

" ‌ويطيع ‌الوالدين ‌في ‌المباح ‌والمكروه. نعم قالوا: لا يطيع في ترك سنة أو رغيبة على الدوام، كالوتر والفجر، ولا في ترك واجب أو فعل معصية " انتهى.

وقال النووي رحمه الله تعالى:

" بر الوالدين مأمور به، وعقوق كل واحد منهما محرم معدود من الكبائر بنص الحديث الصحيح...

وأما العقوق، فهو كل ما أتى به الولد مما يتأذى به الوالد، أو نحوه تأذيا ليس بالهين، مع أنه ليس بواجب.

وقيل: تجب طاعتهما في كل ما ليس بحرام، فتجب ‌طاعتهما ‌في ‌الشبهات وقد حكى الغزالي هذا في "الإحياء" عن كثير من العلماء، أو أكثرهم " انتهى من "روضة الطالبين" (5/389).

لكن إذا لم تكن هناك مصلحة ولا منفعة معتبرة للوالدين في أن يفعل ولدهما هذا المكروه؛ وعلم الولد ذلك؛ فلا شك أن على الولد في هذه الحال أن يتلطف في ترك هذا المكروه، خاصة إذا كان تركه سرا، وخفية عنهما؛ فلا يلزمه طاعتهما في فعله، في باطن الأمر؛ فيجتهد ألا يفعل المكروه، وأن يداريهما أيضا، فلا يواجههما بذلك.

كمن يأمره والده بالسمر معه بعد العشاء إلى وقت متأخر، وهو يعلم من نفسه أن هذا يفوّت عليه صلاة الفجر، أو يؤدي به إلى خيانة أمانة الوظيفة إن كان موظفا، بحيث يرهقه السمر عن القيام بوظيفته على الوجه المطلوب، أو ينام وقت عمله بسبب هذا السهر.

فهنا على الولد أن يتلطف ويداري والده في عدم السهر معه.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:

" وقال الشيخ تقي الدين : ... فأما ما كان يضره طاعتهما فيه، لم تجب طاعتهما فيه، لكن إن شق عليه ولم يضره وجب، وإنما لم يقيده أبو عبد الله لأن فرائض الله من الطهارة وأركان الصلاة والصوم تسقط بالضرر فبر الوالدين لا يتعدى ذلك " انتهى من "الآدب الشرعية" (1/ 464).

فإن تحتم عليه أمر ما ، إما أن يفعل المكروه، طاعة لهما، وإما أن يتركه، ويخالفهما، وهما يعلمان بذلك، ويغضبان منه: فالظاهر أن له أن يفعل المكروه المعين، وتزول في حقه الكراهة هنا؛ لأنه معذور في فعله.

والله اعلم.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022