السؤال
قدمت للعيش في ألمانيا، وهنا الألمان بعد العطس يقولون لك "الصحة"، وأرى الناس يردون بشكرا، وتحصل معي كذلك أحيانا، فهل يجوز أن أقول شكرا لمن قالها لي، أو أتفادى الجواب أفضل، وكذلك هل يجوز أن أقول نفس الشيء "الصحة" عندما يعطسون أمامي، أم ذلك من التشبه بالكفار؟
ملخص الجواب
يجوز الدعاء لغير المسلم -غير الحربي- في أمور الدنيا، وشكره ومجاملته على إحسانه بالقول أو بالفعل.
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
يجوز الرد على الكافر بكلمة شكراً إذا قال لك عند العطس (بالصحة)، حسب عرفهم وعادتهم فيما يقولون عند العطس، وهو من باب الرد بالكلام الحسن، فقد جاء الأمر بأن نقول للناس حسنا، قال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا البقرة/83، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الكفار بأسلوب راق وخلق كريم، ويذكرهم بكناهم (يا أبا الوليد ونحوه)، وهذا هو الأصل في الحديث مع الناس أجمعين، إلا إذا اقتضى الحال الشدة، وهو استثناء له مسوغاته الشرعية الأخلاقية.
قال البهوتي رحمه الله: "وقال الشيخ-يعني ابن تيمية-: "يجوز أن يقال للذمي: أهلًا وسهلًا، وكيف أصبحت؟ ونحوه" مثل كيف حالك، وأكرمك الله، وهداك الله، يعني بالإسلام" انتهى من "كشاف القناع" بتصرف يسير (7/254).
ثانياً:
يجوز أن يقال للكافر إذا عطس: (الصحة-أي أتمنى لك الصحة-) بناء على عاداتهم، وخاصة إذا كان ترك ذلك مما يزري بالمسلم أخلاقياً ، فالأصل جواز الدعاء للكافر -غير الحربي- بأمور الدنيا. فقد صح هذا عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
فقد روى البخاري في "الأدب المفرد" عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ هَيْئَتُهُ هَيْئَةُ مُسْلِمٍ، فَسَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ، فَقَامَ عُقْبَةُ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ فَقَالَ: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ أَطَالَ اللَّهُ حَيَاتَكَ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ وَوَلَدَكَ " رواه البخاري، في الأدب المفرد" (1112)، وحسنه الألباني في "الإرواء" (5/115).
وعن إبراهيم قال: "جاء رجل يهودي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ادع لي فقال: (أكثر اللَّه مالك وولدك، وأصح جسمك، وأطال عمرك) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (31820) مرسلاً.
وعن قتادة: " أن يهوديًا حلب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ناقة فقال: (اللهم جمله)، فاسودّ شعره" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" مرسلاً (27491)، ووصله ابن السني في "عمل اليوم والليلة" عن قتادة عن أنس... (285).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال لرجل نصراني: "أكثر الله مالك وولدك". رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (8515) وقال محققه إسناده جيد.
قال الشرواني: " يجوز الدعاء للكافر بنحو صحة البدن، والهداية" انتهى من " حاشية الشرواني على تحفة المحتاج" (2/88).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "يجوز للمسلم أن يعالج بالقرآن غير المسلم، إذا لم يكن حربيا...، والدعاء له بالشفاء والهداية" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/103).
ثالثاً:
ما سبق بيانه ففي حال أنهم لم يحمدوا الله بعد العطس، وهو الغالب من حالهم، فإذا كان منهم من يحمد الله بعد العطس، فهذا يشمت بقول: يهديكم الله ويصلح بالكم فقط.
فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: "كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ رواه الترمذي (2739)، وصححه الألباني.
والله أعلم.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب