في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
المستشفيات في عهد صلاح الدين:
الحلقة: الثانية و الخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020
لم يكن في عهد صلاح الدين مدارسُ خاصَّة لدراسة الطب ، بل كان هذا النوع من الاختصاص يُدرَّس في المستشفيات ، ثم ينساب الطالب بعد المحاضرة بين المرضى ليعاين الأمراض ، ويعالج المرض ، وقد قام صلاح الدين ببناء مجموعةٍ من المستشفيات في عصره منها:
أ ـ المستشفى الناصري في القاهرة:
بنى صلاح الدين المستشفى الناصري بالقاهرة ، فقد اختار أحد قصوره الفخمة ، وحَوَّله إلى مستشفى ضخم كبير، وانتقى في اختياره ذاك قصراً بعيداً عن الضَّوضاء. يقول الدكتور أحمد عيسى: البيمارستان النَّاصري ، أو الصلاحي ، أو بيمارستان صلاح الدين: لما ملك السُّلطان صلاح الدين الديار المصرية سنة 567هـ/1171م واستولى على القصر ، قصر الفاطميين كان في القصر قاعةٌ بناها العزيز بالله في سنة 384هـ/994م ، فجعلها السُّلطان صلاح الدين بيمارستاناً ، وهو البيمارستان العتيق داخل القصر .قال القاضي الفاضل في متجددات سنة 577هـ/1181م: أمر السُّلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بفتح مارستان للمرضى ، والضعفاء ، فاختير مكانٌ بالقصر ، وأفرد برسم من جملة الرباع الديوانية ، مشاهرة مبلغها مئتا دينار ، وغلاَّت جهتها الفيوم ، واستخدم له أطباء ، كحَّالين ، وجرائحيين ، وشارفاً ، وعاملاً ، وخدَّاماً ، ووجد الناس به رفقاً ، وبه نفعاً وكان المستشفى الناصري مؤثثاً بأثاث جيد ممتاز ، وهو من القصور الرائعة ، وفيه كلُّ ما يحتاجه المريض لمداواته، وراحته.
وقد وصف ابن جبير الرحالة المستشفى؛ الذي بناه صلاح الدين في القاهرة ، فقال: وممَّا شاهدناه من مفاخر هذا السُّلطان المارستان الذي بمدينة القاهرة ، وهو قصر من القصور الرائعة حسناً ، واتساعاً ، أبرزه لهذه الفضيلة تأجُّراً، واحتساباً ، وعيَّن قيِّماً من أهل المعرفة ، وضع لديه خزائن العقاقير ، ومكَّنه من استعمال الأشربة ، وإقامتها على اختلاف أنواعها ، ووضعت في مقاصير ذلك القصر أسرَّةٌ يتخذها المرضى بكرةً ، وعيشةً ، فيقابلون من الأغذية ، والأشربة بما يليق بهم، وبإزاء هذا الموضع موضع مقتطعٌ للنساء المرضى، ولهن أيضاً من يكفلهن. ويتَّصل بالموضعين المذكورين موضعٌ اخر متسع الفناء ، فيه مقاصير عليها شبابيك من الحديد ، اتخذت مجالس للمجانين ، ولهم أيضاً من يتفقَّد كلَّ يومٍ أحوالهم ، ويقابلهم بما يصلح لها ، والسُّلطان يطَّلع على هذه الأحوال كلِّها بالبحث، والسؤال، ويؤكِّد في الاعتناء ، والمثابرة عليها غاية التأكيد.
وقال علي مبارك باشا: لما تولَّى السُّلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب السَّلطنة ، وفرَّق أماكن قصر الخلافة على أمرائه؛ ليسكنوا فيها؛ جعل موضعاً منها مارستاناً ، وهو المارستان المشهور بالعتيق ، وجعل بابه من حارة ملوخية، وهي حارة قائد القواد قديماً ، وموضعه الان الدَّار المعروفة بدار غمري الحصري مع ما جاورها من الدور ، كما وجدنا ذلك في حجج الأملاك ، وهو باخر الحارة من جهة بابها الصَّغير؛ الذي من جهة قصر الشوك ، ويدخل منه إلى البيمارستان العتيق.
وأما عن الأطباء الذين عملوا في البيمارستان الناصري ، فمن أشهرهم ، رضي الدين الرحبي ، وإبراهيم بن الرئيس ميمون بن أبي أصيبعة ، والشيخ السَّديد بن أبي البيان ، والقاضي نفيس الدين بن الزبير.
ب ـ بيمارستان الإسكندرية:
بناه صلاح الدين عندما دخل الإسكندرية سنة 577هـ ، وشرع في قراءة الموطأ على الشيخ أبو الطاهر بن أبي عوف ، وأنشأ بها داراً للمغاربة ، ومدرسة موقوفة على أخيه توران شاه.
ج ـ البيمارستان الصلاحي بالقدس:
أقام هذا المستشفى صلاح الدين الأيوبي وذلك عام 583هـ الموافق 1187م ، وذلك بعد أن حرَّر القدس من الصليبيين ، وطردهم منها.
وتقول الموسوعة الفلسطينية عن البيمارستان الصلاحي في القدس: هو من ماثر السُّلطان صلاح الدين الأيوبي ، وقد وقفه صلاح الدين ، وعين له كبار الأطباء ، ووقف عليه أوقافاً كثيرةً ، وأصبح ذلك البيمارستان من أشهر البيمارستانات في تلك الفترة ، وكان علم الطب يدرَّس فيه إلى جانب ممارسته عملياً.
د ـ بيمارستان عكَّا:
في سنة 583هـ بعد أن فتح السلطان صلاح الدين بيت المقدس ، واستنقذه من أيدي الصليبيين؛ انصرف إلى دمشق ، واجتاز في طريقه إلى عكَّا ، ولمَّا وصل إليها؛ نزل بقلعتها ، ووكل بعمارتها ، وتجديد محاسنها بهاء الدين قراقوش ، ووقف دار الاشبتار نصفين على الفقراء ، والفقهاء ، وجعل دار الأسقف مارستاناً ، ووقف على ذلك كلَّه أوقافاً دارَّةً ، وولَّى نظر ذلك لقاضيها جمال الدين ابن الشيخ أبي النجيب ، وعاد إلى دمشق مؤيَّداً منصوراً.
وبغضِّ النظر عن سعة البيمارستان فقد يختلف من بيمارستان إلى اخر ، ومقدار الزخرفة ، ومساحة الحدائق الملحقة، وعدد النوافير الذي قد يختلف أيضاً؛ فإن البيمارستانات كان لها مخططٌ أساسيٌّ يحتوي على:
أ ـ أقسام خاصَّة بالرجال ، وأخرى خاصة بالنساء مفصولة عن الأولى.
ب ـ عنابر (قاعات) مرضى حسب التخصُّصات ، فهناك عنابر مخصصة للمرضى المصابين بالحمَّى ، والأخرى للأمراض العقلية ، والنفسية ، وغيرها لمرضى الرَّمد ، وهكذا.
ج ـ عنابر مفصولة للناقهين من المرضى إلى أن يشفوا.
د ـ للأطباء للكشف على المرضى غير المنوَّمين.
* غرف لرئيس الأطباء ، وبقية الإداريين.
* قاعة محاضرات يلقي فيها رئيس الأطباء دروسه ، ويجتمع بها مع تلاميذه.
* مكتبة.
* مطبخ لطبخ الأغذية الصحية؛ حيث كان الغذاء أحد طرق العلاج ، وكذلك لطبخ الأشربة ، وغيرها من المواد العلاجية.
* صيدلية لتحضير الأدوية.
* مخازن.
* قاعة لغسل الموتى.
* مصلى (مسجد).
* مراحيض ، وحمامات.
بالإضافة إلى الباحات ، والأفنية ، والحدائق التي تحتوي على الأشجار ، والمشمومات ، والمأكولات ، وكثير من هذه البيمارستانات كانت تحتوي على سكن للعاملين فيها.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي: