الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

حقائق عن الحيوان وخلقه في القرآن الكريم

الحلقة الخامسة والخمسون

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441ه/فبراير 2020م

يقرر القرآن الكريم حقائق عن الحيوان لا تقل في الأهمية والدقة عن الحقائق التي يقررها في كل جانب من جوانب الكون والحياة، فهو يلفت النظر تارة إلى المنافع التي يحصل عليها الإنسان من تسخير هذه الدواب ركوباً وحملاً ولباساً وطعاماً وشراباً وزينة، فهي المسخرة للإنسان مذللة له منقادة.
ــ التذليل:
إن ظاهرة انقياد الحيوان للإنسان ظاهرة تستدعي شكر المنعم الذي جعل فيها هذه الطبائع، ولولا وجود هذا الطبع فيها لما استطاع الإنسان إلى التغلب عليها سبيلاً.
ــ قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ" (يس ، آية : 71 ـ 73).
ــ الرزق:
وعبرة أخرى يلفت القرآن الكريم الأنظار إليها في الحيوان وهي مسألة رزق الحيوان، إن الإنسان يعقل ويفكر ويخطط ويسعى في سبيل تحصل معيشته وكسبه وإذا حصل على الكسب بطريقة ما، فكر في إدخاره وخزنه للمستقبل، أما الحيوان فليست عنده القدرة على التفكير والتخطيط، وليس من طبعه ذلك، إلا أنواع قليلة منها يجدها علماء الحيوان في الطبقة الراقية من الحيوان كالنمل والنحل، إن قدرة الحكيم الخبير المحيطة بكل شيء قد تكفلت بأرزاقها، وتوفر سبل البقاء أمامها، يقول عز من قائل: " وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (العنكبوت ، آية : 60).
هكذا شأن الألوهية في المخلوقات: العلم والإحاطة بالمكان وتكفل الرزق في جميع الظروف، فالحيوان مرزوق في كل مكان في أعماق البحار والمحيطات، وفي الصحراء المحرقة والأصقاع المتجمدة، تحت الصخور الصماء وفي أجواء الفضاء، كل ذلك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، قال تعالى: " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" (هود ، آية : 6).
ــ أنماط الحياة والتكاثر:
لقد نص القرآن الكريم أن هذه المخلوقات من الدواب والحشرات المتباينة في الأشكال والحجوم وطريقة الحركة والسير أمم وفصائل أمثال الناس.
ــ قال تعالى: "وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (النور ، آية : 45).
ــ وقال تعالى: " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (الأنعام ، آية : 38).
لقد أدرك العلم الحديث شيئاً جزئياً من حياة الحيوان بالمخالطة والتتبع والاستقراء، وتأكد لدى الباحثين أن كل حيوان ينتمي إلى فصيلة معينة تجمع بين أفرادها خصائص واحدة وتربطها فيما بينهم نظم ثابتة ولها وسائلها الخاصة في التفاهم. ومن دراسة ظواهر الحيوانات الأليفة أثبتوا أن لكل صنف منها لغة خاصة يتفاهم بها ويتعارف مع غيره على أحواله، وأحوال ما يحيط به.
فالدجاجة تصدر أصواتاً خاصة مميزة عندما تدعو صغارها إلى التقاط الحبوب وترى الصغار تتجمع حولها بسرعة، ولكنها تصدر أصواتاً أخرى عند تحذيرها من خطر وشيك فترى الصغار تهرب للاختباء في القنّ أو تحت أجنحتها.
يقول "ألن يفو" أحد علماء الحيوان: إنه وقف يوماً يرقب ثلاثة من صغار الثعالب تلعب حول أمها، وإذا بصغير منها يدخل الغابة ويبتعد عنها كثيراً حتى غاب عن النظر، فاستوت الأم قائمة ومدت أنفها إلى الناحية التي ذهب منها وبقيت على حالها هذه برهة عاد بعدها الصغير في اتجاه لا يلتفت يمنة ولا يسرة كأنما تجذبه بخيط لا تراه العين.
لقد قرر القرآن الكريم هذه الحقائق بكل وضوح قبل أن يتطور علم الحيوان الذي لا يزال يدرس الحالات الظاهرة، وبين أن هذه اللغة يمكن إدراكها إذا شاء الله سبحانه وتعالى، بأن أودع في الإنسان خاصة تمكنه من استقبال إشارات هذه اللغة وأخبر القرآن الكريم أن ذلك قد تحقق لأحد أصفياء الله من البشر وهو سليمان عليه السلام.

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم

* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (224:222).

* زغلول النجار، مدخل إلى دراسة الإعجاز العلمي، صفحة 217، 218.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022