آية اللَّبن " مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ" ... لفتة إعجازية في القرآن الكريم
الحلقة الثامنة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1441ه/مارس 2020م
قال تعالى: " وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ" (النحل ، آية : 66).
والفرث هو ما في الكرش، وقيل السرجين ما دام في الكرش.
وذكر كثير من المفسرين ما يتفق مع ما جاء به العلم الحديث من أن مكونات اللبن تستخلص من الفرث ثم من الدم، وممن قال بذلك القرطبي وأبو السعود وغيرهم، فقد هدى الله تعالى بعض المفسرين إلى الفهم الصحيح لمعنى " مِن بَيْنِ", أنها تعني من بعض الفرث ثم من بعض الدم، على الرغم من عدم معرفتهم للكيفية التي لم يطلع عليها البشر إلا بعد قرون من نزول هذه الآية الكريمة.
كما أن لفظ " خَالِصًا" في الآية دليل آخر على أن مواد اللبن تخلص من بين الدم بعد أن خلصت من الفرث، وقد ألمح إلى هذا المعنى الطبري بقوله: خلص من مخالفة الدم والفرث فلم يختلطا به. فهذا اللبن الذي تدره ضروع الأنعام مستخلص من بين فرث ودم الكرش بعد الهضم والامتصاص.
ففي تأكيد القرآن الكريم أن الله ـ تعالى ـ يخلق لنا اللبن في ضروع الحيوانات اللبونة من بين فرث ودم، حقيقة علمية لم يصل إليها علم الإنسان إلا في القرن العشرين، فالدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن حركة الدم بين معدة الاجترار "المحتوية على الفرث" وبين باقي أجزاء جسم الحيوان من الأنعام هي التي يتخلق بها اللبن حتى يصل إلى الضرع وهي عملية معقدة يتم خلالها ضخ حوالي خمسمائة لتر من الدم إلى الغدد اللبنية في ضرع الحيوان من الأنعام الكبيرة كالإبل والبقر لتوفير المواد اللازمة من البروتينات والكربوهيدرات، والدهون، والعناصر الفلزية وغير الفلزية، والفيتامينات، والهرومونات اللازمة لرضعة واحدة أو لحلبة واحدة كاملة والتي يستخلصها الدم من الفرث ثم يوصلها إلى الغدد اللبنية.
ما كان أحد يعلم قبل اكتشاف أجهزة التشريح في القرنين الماضيين أسرار ما يجري في الجهاز الهضمي عند الحيوان والإنسان ووظائف ذلك الجهاز المعقد وعلاقته بالدورة الدموية ومراحل تكون اللبن في بطون الأنعام، فلما تكاملت صناعة الأجهزة والتجارب العلمية عبر قرون عرف الإنسان أن مكونات اللبن تستخلص بعد هضم الطعام من بين الفرث وتجري مع مجرى الدم لتصل إلى الغدد اللبنية في ضروع الإناث التي تقوم باستخلاص مكونات اللبن من بين الدم دون أن يبقى أي آثار من الفرث أو الدم، وتضاف إليه من حويصلات اللبن مادة سكر اللبن التي تجعله سائغاً للشاربين، هذه الأسرار كانت محجوبة عن البشر فلم يكتشفوها إلا بعد رحلة طويلة من التجارب والبحوث العلمية التي استغرقت قروناً واستعملت فيها أجهزة صنعت لأول مرة على أيدي الباحثين لم يكن لها وجود عند البشر قبل ذلك، ولكن القرآن الكريم كشفها أمام قارئيه بأجمل عبارة، وأوجز لفظ قبل ألف وأربعمائة عام.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (240:238).
* زغلول النجار، مدخل إلى دراسة الإعجاز العلمي، صفحة 322.