ما يستفاد من حادثة شقِّ الصَّدر النبوي ...
مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين ..
بقلم د. علي محمد الصلابي
الحلقة (13)
تُعَدُّ حادثة شقِّ الصَّدر الَّتي حصلت له صلى الله عليه وسلم أثناء وجوده في مضارب بني سعدٍ، من إرهاصات النُّبوَّة، ودلائل اختيار الله إيَّاه لأمرٍ جليل.
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه حادثة شقِّ الصَّدر في صغره، فعن أنس بن مالكٍ: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل؛ وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه، فصرعه، فشقَّ عن قلبه؛ فاستخرج القلب، فاستخرج منه عَلَقَةً، فقال: هذا حظُّ الشَّيطان منك، ثمَّ غسله في طَسْتٍ من ذهب بماء زمزم، ثمَّ لأَمَهُ، ثمَّ أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمِّه - يعني: ظِئْرَهُ - فقالوا: إنَّ محمداً قد قُتل، فاستقبلوه؛ وهو مُنْتَقِعُ اللون. قال أنسٌ رضي الله عنه: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره»[ مسلم (162/261) وأحمد (3/149) والبيهقي في الدلائل (2/5)] .
ولا شكَّ: أنَّ التَّطهير من حظِّ الشيطان هو إرهاصٌ مبكِّرٌ للنُّبوَّة، وإعدادٌ للعصمة من الشرِّ، وعبادة غير الله، فلا يحلُّ في قلبه إلا التَّوحيد الخالص، وقد دلَّت أحداث صباه على تحقُّق ذلك، فلم يرتكب إثماً، ولم يسجد لصنمٍ برغم انتشار ذلك في قريش.
وتحدَّث الدُّكتور البوطي عن الحكمة في ذلك، فقال: يبدو: أنَّ الحكمة في ذلك إعلان أمر الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، وتهيؤه للعصمة، والوحي منذ صغره بوسائل مادِّيَّةٍ؛ ليكون ذلك أقرب إلى إيمان النَّاس به، وتصديقهم برسالته. إنَّها - إذاً - عملية تطهيرٍ معنويٍّ، ولكنَّها اتَّخذت هذا الشكل الماديَّ الحسيَّ؛ ليكون في ذلك الإعلان الإلهي بين أسماع النَّاس، وأبصارهم. إنَّ إخراج العلقة منه تطهيرٌ للرَّسول صلى الله عليه وسلم من حالات الصِّبَا اللاهية العابثة المستهترة، واتِّصافه بصفات الجدِّ، والحزم، والاتزان، وغيرها من صفات الرُّجولة الصَّادقة، كما تدلُّنا على عناية الله به، وحفظه له، وأنَّه ليس للشَّيطان عليه سبيل.
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 66-67
- محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السِّيرة ، ص 47.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب السيرة النبوية في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: