السبت

1446-10-28

|

2025-4-26

دروسٌ وعبرٌ من إرسال النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى مرضعته حليمة السعدية ...

مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين ..

بقلم د. علي محمد الصلابي

الحلقة (12)

 

أ - بركة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على السَّيدة حليمة:

فقد ظهرت هذه البركة على حليمة السَّعدية في كلِّ شيءٍ، ظهرت في إدرار ثدييها، وغزارة حليبها، وقد كان لا يكفي ولدها، وظهرت بركته في سكون الطِّفل ولدها، وقد كان كثير البكاء، مزعجاً لأمِّه، يؤرِّقها، ويمنعها من النَّوم، وإذا هو شبعان ساكنٌ جعل أمَّه تنام، وتستريح. وظهرت بركته في شياههم العجفاوات، الَّتي لا تدرُّ شيئاً، وإذا بها تفيض من اللَّبن الكثير الَّذي لم يُعهد.

ب - كانت هذه البركات من أبرز مظاهر إكرام الله له:

وليس فقط أن أكرم بسببه بيت حليمة السَّعدية التي تشرَّفت بإرضاعه، وليس من ذلك غرابةٌ، ولا عجبٌ، فخَلْفَ ذلك حكمةٌ أن يُحبَّ أهل هذا البيت هذا الطِّفل، ويحنوا عليه، ويحسنوا في معاملته، ورعايته، وحضانته، وهكذا كان، فقد كانوا أحرص عليه، وأرحم به من أولادهم.

ج - خيار الله للعبد أبرك وأفضل:

اختار الله لحليمة هذا الطِّفل اليتيم، وأخذته على مضضٍ؛ لأنَّها لم تجد غيره، فكان الخير كلَّ الخير فيما اختاره الله، وبانت نتائج هذا الاختيار مع بداية أخذه، وهذا درسٌ لكلِّ مسلمٍ بأن يطمئنَّ قلبه إلى قدر الله، واختياره، والرِّضا به، ولا يندم على ما مضى، وما لم يقدِّره الله تعالى.

د - أثر البادية في صحَّة الأبدان، وصفاء النُّفوس، وذكاء العقول:

قال الشَّيخ محمَّد الغزالي - رحمه الله -: وتنشئة الأولاد في البادية؛ ليمرحوا في كنف الطَّبيعة، ويستمتعوا بجوِّها الطَّلق، وشعاعها المرسل أدنى إلى تزكية الفطرة، وإنماء الأعضاء، والمشاعر، وإطلاق الأفكار، والعواطف.

إنَّها لتعاسةٌ أن يعيش أولادنا في شقق ضيِّقةٍ، من بيوتٍ متلاصقةٍ، كأنَّها علبٌ أغلقت على مَنْ فيها، وحرَمتْهم لذَّة التَّنفُّس العميق، والهواء المنعش.

ولا شكَّ: أنَّ اضطراب الأعصاب الذي قارن الحضارة الحديثة، يعود - فيما يعود - إلى البعد عن الطَّبيعة، والإغراق في التصنُّع. ونحن نقدِّر لأهل مكَّة اتِّجاههم إلى البادية؛ لتكون عرصاتها الفساح مدارج طفولتهم. وكثيرٌ من علماء التَّربية يودُّ لو تكون الطَّبيعة هي المعهد الأوَّل للطِّفل، حتَّى تتَّسق مداركه مع حقائق الكون الَّذي وجد فيه، ويبدو أنَّ هذا حلمٌ عسير التَّحقيق.

وتعلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بادية بني سعدٍ اللِّسان العربيَّ الفصيح، وأصبح فيما بعد من أفصح الخلق، فعندما قال له أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما رأيت أفصح منك؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «وما يمنعني وأنا من قريش، وأُرضعت في بني سعد؟!».

 

مراجع الحلقة:

- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 64-66.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب السيرة النبوية في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/690


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022