الزبور الذي أنزل على داوود (عليه السلام) ..
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك ...
بقلم د. علي محمد الصلابي ...
الحلقة (43)
الزبور: هو كتاب داوود (عليه السلام)، أوحاه الله تعالى إليه علّمه إياه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في مواضع:
الموضع الأول: قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: 163].
وقد تأخر ذكر داوود (عليه السلام)، وذلك لتشريفه بذكر كتابه، وإبرازه من جملة مستقلة له بالذكر ولكتابه فما فاته من التقديم اللفظي حصل به التضعيف من التشريف المعنوي.
وذكر بهذا اللفظ: ﴿وَآتَيْنَا﴾ ولم يعطف على ما قبله، فيفيد مطلق الوحي؛ لأن لزبور داوود شأناً خاصاً في كتب الوحي وعند أهل الكتاب، وهو مع هذه الفائدة موافق لنسق الفواصل، فائتلف له اللفظ مع المعنى فصاحة وبلاغة وحسناً.
والموضع الثاني: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورً﴾ [الإسراء: 55].
والمعنى: وآتينا داوود (عليه السلام) الكتاب المسمى (زبوراً)، أي: على أنه اسم الكتاب الذي أوتيه داوود، كما سمى الكتاب الذي أوتيه موسى (التوراة)، والذي أوتيه عيسى (الإنجيل)، والذي أوتيه محمد ﷺ (الفرقان)؛ لأن ذلك هو الاسم المعروف؛ وإنما تقول العرب: زبور داوود، وبذلك تعرف كتابه سائر الأمم.
- ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ تنبيها على أن التفضيل الذي ذكره قبل ذلك هو التفضيل بالعلم والدين، لا بالملك والمال، حيث كان لداوود (عليه السلام) مُلكان عظيمان.
الموضع الثالث: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105].
تبيّن الآية الكريمة أن الله يمنح الأرض لقوم باعتبارهم مؤمنين صالحين عابدين، فإذا تخلوا عن الإيمان والصلاح والعبادة، فإن الله ينزع منهم الأرض ويمنحها لغيرهم من العابدين، وهذه سنة ربانية تاريخية مطّردة حول تملّك الأرض ووراثتها والاستخلاف فيها، وقد انطبقت هذه السنّة الربانية على اليهود لما كانوا إسرائيليين مؤمنين، فكانت خلافتهم إيمانية على يد داوود ثم سليمان عليهما الصلاة والسلام.
ولما تخلوا عن الإيمان بعد ذلك، وكفروا وطغوا، وظلموا وبغوا، وقتلوا الأنبياء، وكذبوا بالحق؛ انتزع الله الأرض المقدسة منهم، وفقدوا وراثتهم الإيمانية لها، لفقدانهم شرط الوراثة، وأخرجهم الله من الأرض المقدسة، ومزقهم كل ممزق، وأوقع بهم لعنته وغضبه. وأخبرنا الله عن هذا العقاب في القرآن، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون (168)﴾ [الأعراف: 167 - 168].
مراجع الحلقة:
- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 204-206.
- الزبور في المصادر الإسلامية، صلاح الباجوري، ص360.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: