شهر رمضان مِنْ أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر الصيام والقيام، شهر العِتق والغفران، شهر تُفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُرفع فيه الدرجات، وتُغفر فيه السيئات. فالترحيب به والاستعداد له واستغلاله بالعبادات والقربات واجب كل مسلم، ومن الطبيعي أن ينطبق ذلك بدوره على الأسرة المسلمة التي لا ترى شهر رمضان ضيفًا عاديًّا يمكن أن تستقبله دون إعداد واستعداد، بل هي تفرح وتستبشر به، وتُحْسِن استقباله والاستعداد له، والعمل والعبادة فيه، حتى يَعُمَّ عليها خيره وفضله. والأسرة هي اللبنة الأساسيّة في بناء المجتمع، ولذلك فإن للأسرة أهمية عظيمة في الإسلام، لأنَّها المسؤول الأول في تنشئة الأجيال، وهي البيئة الأولى التي تحتضن الصغار، وتحرص على خيرهم وسعادتهم، فذلك مقصد كل أب وأم. فأطفالنا هم الأمانة التي استرعانا الله إياها، وما نربيهم عليه ونبثه فيهم مِنْ عقيدة وقيم ومبادئ، يساهم بشكل كبير في تكوين شخصياتهم وتشكيل سلوكهم العام في حياتهم، وهو ما ينعكس على سلوكهم في مواسم الطاعات وأوقات العمل والعبادة، خاصة في شهر رمضان المبارك. فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته)) [رواه البخاري]. وإن مسؤولية تربية الأجيال، وإعداد النساء والرجال مسؤولية عظمى، فيجب على أهل الإسلام أن يولوها كل اهتمامهم لأن مقومات سعادتهم منوطة بذلك، ولذلك فلابد من الإعداد والتربية بالوسائل السلمية ووفق القواعد المطلوبة دينياً وأخلاقياً، ورمضان يمثل فرصة رائعة لتهذيب وتربية أولادنا نفسياً وبدنياً وأخلاقياً، فكما يكون رمضان مدرسة تربوية للكبار فهو كذلك للصغار، وذلك بتدريب من أطاق منهم الصيام على الصيام، فيؤمر به لو أطاقه. وإن من أهم القنوات المسؤولة عن التربية هي الأسرة، النواة الأولى للتربية، تبدأ من اختيار الزوجة الصالحة ذات المنبت الحسن، حيث تُعَدُّ الزوجة لتكون مربية فاضلة ومدرسة مثالية يتربى الطفل على يديها وتحت عينها ورعايتها، فيجد الطفل العناية المعنوية والتربية الإيمانية التي يكون منطلقها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [سورة التحريم:6]، قال ابن كثير (رحمه الله) في تفسيره: « أي مروهم وعلموهم وأدبوهم بما يكون وقاية لهم من عذاب الله». وإن تعويد الأبناء على الصيام، ربط لهم بالشعائر الدينية منذ الصغر، حتى إذا وجبت عليهم ألفوها ولم يستنكروها، فتكون قلوبهم قريبة من أجواء العبادة، وإن الآباء هم الذين يغرسون في أفئدتهم العضة حَبَّ الخير، وحب الطاعة والعبادة، فالوالدان ينبغي أن يكونا قدوة للأبناء في السلوك والتعامل، فينبغي ربطهم وزيادة تعلقهم بكتاب الله تعالى، وبالشعائر الدينية والأخلاق الفاضلة، وتوجيههم إلى كل ما يؤدي إلى ما يحببهم بالدين ويجعلهم متعلقين بمعالي الأمور. وإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ((ما نَحَلَ والِدٌ ولدَه، أَفْضَلَ من أَدَبٍ حَسَنٍ)) [رواه أحمد والترمذي والحاكم]، فعلينا أن نسلك في تربية الأبناء منهج الإسلام تحلياً بالرفق في معاملتهم والحزم عند أخطائهم، وأن نكون القدوة في أعينهم بالقول والفعل، والعلم والعمل، وأن نعودهم على فعل الخير والتخلق بأخلاق الكرام كالعفة في اللسان، والصدق في التعامل، وحب الخير للناس. إن شهر رمضان بما يحمله من قيم هو فرصة عظيمة لإصلاح الفرد ضمن أسرته، وإصلاح الأسرة بصلاح أفرادها، فيرتقى الفرد من الأنانية وحب الذات إلى التكافل والتكامل مع أفراد أسرته، فلا يقف عند حد إصلاح نفسه، بل يعمل قدر طاقته على إصلاح أفراد أسرته، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، وهذا الشهر فرصة ثمينة للفرد المسلم وللأسرة المسلمة لتنمية التقوى وتعزيز الخلق القويم والتقرب من الله تعالى، وتعميق العلاقات الأسرية، والتأسيس للتكافل والتراحم، وتحقيق معاني البر والتسامح.