هي فتح رمضاني، ومعركة سجلها التاريخ الإسلامي بأحرف من ذهب، وكانت هذه المعركة من أبرز المعارك الإسلامية البيزنطية، وكان الجيش العباسي يُقَاد شخصيًا من قبل الخليفة المعتصم بالله الذي حكم فيما بين (218 هـ – 227 هـ) الموافق (833 م – 842 م)، وكذلك كان الجيش البيزنطي بقيادة توفيل بن ميخائيل سليل الأسرة العمورية، وثاني أباطرتها المعروفين (1).
خلفية تاريخية:
في عام 214 هـ اعتلى توفيل بن ميخائيل عرش الإمبراطورية البيزنطية، كانت الخلافة العباسية آنذاك، فقد تعاني خطر كان يهددها، وهو خطر بابك الخرمي، ففي عهد المأمون كاد الخرمية بقيادة بابك أنْ يودوا بالخلافة الإسلامية العباسية، وحاول المأمون أن يقضي عليها؛ فأرسل الحملات لكنه تُوفي دون أن يُحقق أي نجاح، وانتقلت مهمة القضاء على هذه الفتنة إلى الخليفة المعتصم بالله ونجح في إخمادها، وكان بابك قد اتصل بتوفيل يطلب منه مهاجمة الخلافة الإسلامية العباسية التي انشغلت بقتالهم، وكان مما قاله له: «”إنَّ المعتصم لم يُبْقِ على بابه أحدٌ، فإنْ أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحدٌ يمنعك”».
واستجاب ملك الروم توفيل بن ميخائيل لاستغاثة بابك، وجهَّز جيشًا يزيد قوامه على 100 ألف جندي، وسار به إلى الثغور، فهاجم المدن والقرى يقتل ويأسر ويمثِّل، وكانت مدينة ملطيَّة من المدن التي خرَّبها الملك توفيل، حيث قتل الكثير من أهلها، وأسر نساءها المسلمات، حتى إنَّ عددهم بلغ 1000 امرأة(2).
أهمية مدينة عمورية:
عمورية كانت أهم مدن الإمبراطورية البيزنطية وهي في غرب آسيا الصغرى (الأناضول حديثًا) وعمورية كانت مكان نشأة السلالة العمورية حكمت (205هـ – 253هـ)، التي كان منها إمبراطور الروم توفيل بن ميخائيل، وهي عين النصرانية وبنكها؛ وهي أشرف عند البزنطيين من القسطنطينية. (3)
أسباب معركة عمورية:
كان السبب الرئيسي هو رد كرامة امرأة عربية تدعى شراة العلوية، وبسبب هجوم الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلوس على ثغري ملطية (في تركيا حاليًا) وزبطرة في العام السابق للمعركة وقيامه بتخريبهما وأسر الكثير من النساء، فساء هذا المعتصم، وقرر الأخذ بالثأر.
المسير للمعركة:
سار المعتصم إلى عمورية في جحافل كثيرة عديدة، وخرج هو على رأس هذا الجيش متجهاً صوب عمورية مسقط رأس أسرة ثيوفيل عازماً على تدميرها، غادر الخليفة سامراء وهو على تعبئة، فعين أشناس التركي قائداً للمقدمة، وإيتاخ قائداً للميمنة، وجعفر بن دينار على الميسرة، وشارك الأفشين في الحملة على رأس فرقة عسكرية، فتوجه جيش الشرق بقيادة الأفشين نحو مدينة سروج ليدخل الأراضي البيزنطية في يوم محدد عن طريق درب الحدث، ما جيش الغرب، بقيادة أشناس، فكان عليه أن يتقدم عبر جبال طوروس إلى مدينة الصفصاف، على أن يلتقي جيش الشرق في سهل أنقرة. وقاد الخليفة القسم الثالث من الجيش، وزحف مباشرة نحو أنقرة. ورسم الخليفة خطته التكتيكية على أن تجتمع الأقسام الثلاثة عند سهل أنقرة لمهاجمة المدينة.
وغادر القسطنطينية في هذه الأثناء، الإمبراطور البيزنطي ثيوفيل بعدما علم بما وضعه الخليفة من خطط عن أنقرة وعمورية، وأمر بتحصين هذه الأخيرة، وبعث الإمدادات إليها، أما الخطة القتالية التي وضعها فكانت تقضي بمهاجمة القوات الإسلامية في أثناء زحفها نحو الشمال باتجاه أنقرة، وبسبب ذلك عسكر على نهر هاليس، واستعد لعبوره ليفاجئ المسلمين، ولم يكن يعلم شيئاً عن جيش الإفشين.
علم المعتصم أنَّ إمبراطور الروم قد كمن لملاقاة الجيش الإسلامي على غرَّة، وأنَّه ذهب لمفاجأة الأفشين، وحاول الخليفة أنْ يُحَذِّرَ قائده، لكنه لم يستطع، واصطدم الأفشين بقوات الإمبراطور عند “دزمون”، وألحق الأفشين بإمبراطور الروم هزيمة مدوِّية، ولم يَحُلْ دون النصر الضباب الكثيف الذي أحاط بأرض المعركة أو المطر الغزير الذي انهمر دون انقطاع، وهرب الإمبراطور إلى القسطنطينية.
دخلت جيوش المعتصم أنقرة التي كانت قد أُخليت بعد هزيمة الإمبراطور، وتوجَّهت إلى عمورية فوافتها بعد عشرة أيام، وضربت عليها حصارًا شديدًا (4).
حصار عمورية وفتحها:
تقدم الخليفة باتجاه عمورية بعد تدمير أنقرة، فوصلها في سبعة أيام، وشرع في حصارها، وعلى الرغم من مناعتها وحصانتها، إلا أنها استسلمت في السابع عشر من شهر رمضان عام ۲۲۳ هـ / شهر آب عام (۸۳۸ م) بعد أسبوعين من الحصار، فتح المسلمون مدينة عمورية، وأسر المسلمون عدداً من الروم، وغنموا غنائم وفيرة، وهدم المعتصم أسوارها، وأمر، بالمقابل، بترميم زبطرة وتحصينها (5).
الآثار بعد المعركة:
قد كشفت حملة المعتصم عن ضعف الإمبراطورية البيزنطية، مما شجع الخليفة على مواصلة زحفه باتجاه القسطنطينية، لكن هذا المشروع لم يُقيَّضْ له أن يُنفَّذْ، بعد أن اكتشف المعتصم مؤامرةً للتخلُّص منه دَبَّرها بعض أقربائه، كما أنَّ فتح القسطنطينية يحتاج إلى قوة بحرية كبيرة لم يكن يملكها ساعتها؛ فتوقَّف المشروع إلى حين.
وكان هذا الانتصار للخلافة العباسية ذا ثقل على نفس توفيل، لا سيما وأن عائلته ومسقط رأسه في عمورية، وأيضاً كان لهذه المعركة تأثير واضح في الأدب البيزنطي.
وعلى الصعيد الديني حصلت بعض التغييرات تجاه تحطم الأيقونات، فقد كانوا يعتقدون أنهم بسبب تحطيمها كانوا يجب أن ينالوا توفيق الله لكنهم مُنوا بهذه الهزيمة فرجعوا لما كانوا عليه (6).
المراجع:
تاريخ الرسل والملوك للطبري، (9/56).
تاريخ المسعودي، (3/473)
تاريخ اليعقوبي، (2/436).
تريدجولد (1988)، النهضة البيزنطية، ستانفورد: مطبعة جامعة ستانفورد. تم النشر بتاريخ 2019-04-16، ص297.
فازيلييف (1935)، بيزنطة والعرب، المجلد الأول، الطبعة الفرنسية: إصدارات معهد فقه اللغة الشرقية والتاريخ، ص160.
موقع قصة الإسلام، الدكتور راغب السرجاني: https://www.islamstory.com/ar/artical/1373/